ان اوجه المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي لا تنحصر فقط بالسياق التقليدي للمواجهة بل تمتد لتشمل كافة الاصعدة والساحات لمن يرى بالمواجهة تحديدا صراع وليس مجرد نزاع.
وخلال عقود الصراع لجاء الاحتلال لاستثمار كل الساحات ولتسخيرها في خدمة اهدافه ومخططاته ولعل من ابرز هذه الساحات بعد الجانب العسكري والأمني هو ما يسمى (بالدعاية) او بترجمة حرفية من العبرية
" الشرح"حيث من خلال هذه الدعاية يروج لروايته ويتقن تزيف الوقائع والتاريخ والاهم تزيف تفاصيل الاحتلال اليومية وشرعنه جرائمه.
ولم تتوانى دولة الاحتلال عن استخدام الاعمال السينمائية والتلفزيونية في هذا السياق ومؤخرا انتجت عدة مسلسلات وأفلام تروي الرواية المخابراتية الاسرائيلية لتفاصيل المواجهة وعن كم التزيف والكذب حدث بلا حرج وهذا متوقع من الاحتلال اذا من غير المتوقع ان يروي ولو جزء من الحقيقة.
ألا ان الظاهرة الاخذة بالاتساع مؤخرا التي تستحق التوقف عندها هي ظاهرة مشاركة فنانين عرب فلسطينيون بهذه الاعمال ومساهمتهم المباشرة بترويج اكاذيب الاحتلال بشكل مباشر ومساهمتهم بالجهد المخابراتي المعادي ولشرح الظاهرة وإبعادها وتفاصيلها نتوقف مع المسلسل الاشهر في سياق هذه الاعمال وهو مسلسل (فوضى) بجزئية الاول والثاني
الذي تبثه محليا شركة الكوابل الاسرائيلية " يس" واشترته مؤخرا شركة انتاج المسلسلات العالمية نيتفلكس التي يقدر عدد مشاهديها بأكثر من 100 مليون مشاهد حول العالم.
والدخول الى تفاصيل مسلسل فوضى يكشف لنا القناع عن هذه الاعمال ويفضح المشاركين بها فهذا المسلسل الذي عرض الجزء الاول منه عام 2015 شارك به عشرات الممثلين العرب ولعب به الممثل هشام سليمان دور الشرير من خلال تاديته دور توفيق حامد احدى قادة كتائب القسام في المسلسل اما دور الاخيار فلعبة الممثل اليهودي لئيور راز من خلال تأدية دور دورون كابيلو قائد وحدة المستعربين التي تطارد الارهابين على مدار الساعة في محاولة لإنقاذ حياة الابرياء عرب ويهود والمثير في الموضوع ان الممثل الرئيسي هو ايضا مؤلف رواية المسلسل الى جانب الصحفي المختص بالشؤون الامنية والمقرب من الاجهزة الامنية الاسرائيلية افي يسخروف وبالعودة الى الممثل والمؤلف الرئيسي للمسلسل لئيور راز فهو في الواقع مستوطن من سكان مستوطنة معالية ادوميم قرب القدس ووالدة المهاجر من اصل عراقي رجل مخابرات سابق وليئور نفسه كان عضو في فرق القتل المسمى فرق المستعربين حتى عام 1993 وشارك في قتل عدة فلسطينيين وتلقى نياشين على ذلك كذلك ساعده في تأليف المسلسل يتساحق بن جونين وهو ايضا رجل مخابرات متقاعد وتم مرافقة المسلسل بعدة مستشارين من جهاز الشابك( المخابرات الاسرائيلي) وتلقى دعم من غالبية قادة اجهزة المخابرات المتقاعدين حتى ان ايهود بارك رئيس الحكومة ووزير الحرب الاسرائيلي السابق حضر العرض الافتتاحي متفاخرا بأنه من انشاء فرق المستعربين ابان الانتفاضة الاولى.
هذه التفاصيل كافية للتدليل من اين خرج المسلسل وبتوجيه من ولخدمة من وكل متابع يعلم ان لولا موافقة المخابرات المباشرة ودعمها لما كان بالإمكان كتابة حرف من رواية المسلسل
ويتميز المسلسل بنهج رسم صورة عن المقاتل الاسرائيلي كرجل وسيم مثير للنساء مدرب جدا وشجاع لا يهاب ومتحضر ويحركه ضميره الانساني بالدرجة الاولى وتهمه حياة البشر سواء كانوا عرب او يهود بينما ( الارهابي) العربي فهو شخص قذر المظهر مهووس بالقتل فقط من اجل القتل ولا يتوانى حتى عن قتل طفلته وتفجيرها ولا يوجد لديه أي رادع اخلاقي او انساني.ويعرض المسلسل بالجزء الاول احداث متعددة جوهرها مطاردة الاخيار الاسرائيليون للأشرار الفلسطينيون في محاولة للقضاء على الارهاب وإنقاذ حياة الابرياء وخلال هذه المطاردة تقع احداث متعددة تعزز ما ذكر سالفا ويكفي ان تشاهد جزء من احدى حلقاته ليستفزك لعدم اكماله فعلى سبيل المثال في احدى الحلقات يقوم عناصر حماس بشق بطن جندي اسير اسرائيلي وهو حي ويزرعون في بطنه قنبلة بهدف تفجيره عند تسليمه خلال صفقة تبادل بينما بالمقابل يقوم ضابط مخابرات اسرائيلي بنقل ابنة المطارد الرئيسي التي اصيبت بالعمى بعد ان فجرها ابيها واستخدمها كقنبلة حيه الى افضل المشافى الاسرائيلية وعلاجها على حساب اسرائيل وإعادة نظرها لها.
وتعدد مثل هذه المشاهد خلال حلقات المسلسل والذي ينتهي بان يقوم احدى مرافقي قائد القسام بقتله غدرا ليتولى مكانه
والأخطر هو ما يحمله الجزء الثاني من المسلسل حيث تتصدر داعش دفة الصراع مع اسرائيل ويتولى قائد داعشي المواجهة يسمى بالمسلسل باسم المقدسي يلعب دوره الممثل الفلسطيني فراس نصار ومما نشر فستتوالى حلقات الجزء الثاني من خلال صراع بين رجال داعش وأجهزة الامن الاسرائيلية ويكفي ربط اسم داعش بالنضال الفلسطيني لتوضيح حقيقة الامر.
أي اجنبي يشاهد المسلسل ويستخدمه كمصدر معلوماتي عن طبيعة الصراع الدائر سيخرج بنتيجة واضحة ان اسرائيل هبة الله للبشرية وان الفلسطينيون نقمة الله على البشرية .
لا نستطيع ان ننكر على الاحتلال محاولته المتكررة لتزوير الواقع وترويج روايته الكاذبة عن طبيعة الصراع وتفاصيله فهذا متوقع منه وليس جديد
ولكن ان يشارك عرب فلسطينيون في هذا الجهد وهذه الاعمال مع علمهم المسبق بطبيعة العمل فهذا ليس اقل من مساهمة مباشرة في خدمة الاحتلال وقد تكون تهمة التطبيع صغيرة مع هذا الفعل والمقلق بالأمر ان يمر الموضوع دون أي محاسبة رسمية او شعبية وهنا نتساءل اين المؤسسات الثقافية في فلسطين والعالم العربي من اتخاذ موقف حاسم من هذه الشرذمة التي باعت شعبها وباعت ضميرها في لقاء حفنة من المال وبعض الاضواء والذين يستخدمون ليس بالضرورة لقدراتهم الفنية بل لضرورة اكساب المسلسل وإعمال اخرى المصداقية المطلوبة لماذا حتى اللحظة لم يصدر موقف وبيان من الجهات المعنية بالأمر سواء مؤسسات اهلية او رسمية تزج بأسماء كل المشاركين بقوائم عار تفضح ممارستهم لماذا لا تتخذ بحقهم اجراءات تأديبية هل مروا من تحت رادر مقاومة التطبيع ويبقى السؤال موجه بالدرجة الاولى للجانب الفلسطيني تحديدا في الداخل
فمن لا يوجد لديه رادع اخلاقي ذاتي يلومه رادع موضوعي يضعه في مكانه الطبيعي وهذه الساحة ساحة مواجهة لا تنفصل عن باقي ساحات المواجهة ويجب ان تحسم ايضا.
ايمن حاج يحي- فلسطين
سكرتير الحركة الوطنية الاسيرة في الداخل ( الرابطة)
[email protected]
أضف تعليق