أسرار “كِتاب” “نار وغَضَبْ”.. هل ستُزَعزِع استقرارَ مِصر والسعوديّة؟ ولماذا لَمْ يَصدُر أي نَفي لها من قِيادة البَلدين؟ وما هِي العلاقة بين “الصّفقةِ الكُبرى” والانقلاب الذي أطاحَ ببن نايف وجاءَ ببن سلمان إلى وِلايَة العَهد؟ وكيف سَتكون الانعكاسات المُتوقّعة لعَزل ترامب على المِنطقة؟
رأي اليوم - عبد الباري عطوان

لا يُخامِرنا أدنى شَكْ في أن ما وَرد في كِتاب الصّحافي مايكل وولف (نار وغضب) من أسرارٍ حول السّنةِ الأولى من حُكم الرئيس دونالد ترامب، قد يُساهِم بدَورٍ كَبيرٍ في التّعجيل بإسقاطِه، وخُروجِه من البَيت الأبيض مَطرودًا باعتبارِه غير مُؤهّلٍ للحُكم.

الدّولة “العَميقة” في الولايات المتحدة قرّرت أن العام الجديد هو عام الحَرب على الرئيس الأمريكي، واستخدام كُل ما لدَيها من أسلحةٍ ثقيلة لهَزيمته، وهذا ما يُفسّر استناد الكِتاب إلى مُقابلاتٍ أجراها مُؤلّفه مع أكثر من 200 شخصيّة حَول الرئيس، أبرزها ستيف بانون، مُستشاره الاستراتيجيّ الذي أُبعِدَ من مَنصِبه بعد أشهرٍ قليلةٍ، وهو الذي هَندسَ حَملَته الانتخابيّة، وكان من أكثرِ الشخصيات قُربًا له، وجَرى استخدامُه كرأس حِربة في عَمليّة العَزل المُتصاعدة.

مِنطقة “الشرق الأوسط” وسياسة الرئيس ترامب فيها احتلّت حيّزًا لا بأسَ بِه من الكِتاب، ويُمكن تَلخيص أبرز ما جَرى الكَشف عَنه في نُقطتين أساسيّتين:

الأولى: كشف المُستشار بانون عن اعتراف الرئيس ترامب بأنّه كان يَقِف خلف الانقلاب الذي وَقعتْ أحداثه في 20 حزيران (يونيو) الماضي، وأطاح بالأمير محمد بن نايف من ولاية العهد في المملكة العربيّة السعوديّة، لمَصلحة مَجيء الأمير محمد بن سلمان مَكانه، وأكّد بانون أن ترامب أخبر أصدقاءه بأنّه هَندس مع صِهره جاريد كوشنر “هذا الانقلاب الذي وَضع رِجلهم في قِمّة الحُكم”.
الثانية: اعتراف بانون بأنّه كان يَقف خلف ما يُسمّى بالصّفقة الكُبرى المُتعلّقة بقضيّة فِلسطين والتي تَنص على مَنع قِيام دولةٍ فِلسطينيّة، ونَقل السفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القُدس، وإعادة الضفّة إلى الأردن، وقِطاع غَزّة إلى مِصر، مع ضَمْ المُستوطنات، وتَكريس الهَويّة اليهوديّة للقُدس المُحتلّة.
اللافت أن شخصيّتين رئيسيّتين كانتا مِحورتين في هذهِ السياسة الأمريكيّة في المِنطقة، الأولى هي الأمير محمد بن سلمان ولي العَهد، والثانية، هي جاريد كوشنر، صِهر الرئيس الأمريكي، وقد تَعدّدت اللقاءات السريّة والعَلنيّة بَينهما لتَرجمة هذهِ التّفاهمات والخُطط على أرضِ الواقِع، وتَسريع وَتيرة التّطبيع بين المملكة العَربيّة السعوديّة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ونَعتقد أن هُناك رَبطًا بن الن؟قطتين، أي الانقلاب، مُقابل تَسويق وتَثبيت “صَفقة القرن”.
الأمير بن سلمان الذي لا نَشُك مُطلقًا بأنّه اطّلع على كُل كلمة جرى ذِكرها عنه شخصيًّا في الكِتاب، أو هكذا نأمل، لم يَصدُر عنه أي بيان رسمي ينفي هذهِ المعلومات، سَواء المُتعلّق منها بدَور الإدارة الأمريكيّة في الانقلاب الذي جاء بِه إلى ولاية العهد، أو بالصّفقة الكُبرى المُتعلّقة بتَهويد القُدس المُحتلّة، ونَقل السّفارة الأمريكيّة إليها، وإعادة ما تَبقّى من الضفّة الغربيّة إلى الأردن، وقِطاع غَزّة إلى مِصر، واستمرار هذا الصّمت حتى كتابة هذهِ السّطور على الأقل، ربّما يُؤكّد هذهِ المَعلومات.
الصّداقة بين الأمير بن سلمان وكوشنر، صِهر الرئيس، معروفة ولا تحتاج إلى إثبات، كما أن الأمير بن سلمان، ومِثلما أكّدت مصادر فِلسطينيّة، استدعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض مَرّتين، وعَرض عليه تفاصيل الصّفقة، وطلب منه القُبول بها، ونِسيان القُدس المُحتلّة، وتَردّد أنّه عَرض عَليه 10 مِليارات دولار “مُكافأة”، في حال القُبول والتّعاون.
نُبوءَة بانون، المُستشار الاستراتيجيّ لترامب، التي وَردت في الكِتاب، وقالت أن كُل من مِصر والسعوديّة تَقِفان على حافّة الانهيار خَطِرة جدًّا، لأن الإدارة الأمريكيّة تَملُك خُيوط اللّعبة، أو مُعظمها في البَلدين، من خِلال نُفوذِها أولاً، واعتمادها على الحَليف الإسرائيلي ثانيًا، واستخدامِها لوَرقة “البُعبع″ الإيراني لزَعزعة استقرارها في حالة السعوديّة، وسَدْ النّهضة الأثيوبي في حالةِ مِصر.
إذا كانت الدّولتان المِصريّة والسعوديّة تُواجِهان الانهيار فِعلاً، فذلك في رأينا، بسبب الاستشارات والنّصائح التي تُقدّمها لهما إدارة ترامب، والصّهر كوشنر الذي يَصيغها ربّما بإيحاء أو توجيه من حُلفائه في تل أبيب، ومن المُؤسِف أن بَعض هذهِ التّوجيهات والنّصائح، إن لم يكن كُلها، نَرى نَتائِجها الكارثيّة تَنعكِس من خلال اضطراب الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة فيهما، وغَرق الأولى في حَرب اليمن، وقُرب غَرق الثانية في حرب مِياه مع أثيوبيا، وتَراجع نُفوذها، أي مِصر، في البَحر الأحمر كأحد الأمثلة.
لا نُبالغ كثيرًا إذا قُلنا أن انهيار إدارة الرئيس ترامب، الذي راهنً على صداقَتِه البَلدان، أي مِصر والسعوديّة، ستَرتد تداعياتِه فيهما بشَكلٍ أو بآخر، وربّما يكون من الحِكمة أن تبدأ حُكومتا البَلدين، في مُراجعة سياساتها، والقَفز من سفينة ترامب الغارِقة هذهِ في أسرعِ وَقتٍ مُمكن، إذا لم يَكُن من أجل النّجاة، فلِتَقليص الخسائِر على الأقل، وإن كُنّا نَشُكْ أنّهما سيَفعلان ذلك.. والله أعلم.
“رأي اليوم”

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]