المشكلة ليست بحكومة إسرائيل بل بالإسرائيليين. هذا الاستنتاج الأهم من الانتقام من الطفلة عهد التميمي بعد حياكة لائحة اتهام خطيرة بحقها لصفعها جنديين اقتحما بيتها غداة إصابة ابن عمها بجراح قاسية جدا في بلدتها النبي صالح. تدلل تعقيبات الإسرائيليين على اعتقال عهد باقتحام فراشها فجرا وتقديم لائحة اتهام انتقامية ضدها على لامبالاة وبلادة إحساس وإنكار للواقع وغطرسة. تكرر ذلك في اعتقال عضو التشريعي المناضلة خالدة جرار وقبلها قتل الشاب المعاق من غزة. شيطنة الفلسطينيين واحدة من طرق التحريض عليهم من قبل المؤسسة الحاكمة والشارع في إسرائيل وواحدة من طرق بناء ما هو أسمك من جلد الفيل بل أضخم من جدار الفصل العنصري لحماية الذات من تأنيب ضمير إزاء استمرار احتلال شعب ونهب مقدراته. في تقريره السنوي حول خريطة التهديدات الخارجية لإسرائيل لم يتطرق معهد دراسات الأمن القومي للقضية الفلسطينية وكرر ذلك قائد الجيش آيزنكوت أمس بتجاهله الصراع وتكريس كلمته في مؤتمر هرتزليا لإيران وسوريا وحزب الله وهذا ينم عن العمى إياه والغطرسة إياها.
لا يحرك الإسرائيليين نحو إنهاء احتلال 1967 سوى تدفيعهم ثمن حقيقي كما تدلل تجارب شعوب أخرى وهذا مفقود ومعطل منذ سنوات. هذا الوضع الراهن مستمر،لسنوات إضافية على ما يبدو نتيجة عدة عوامل منها أن الفلسطينيين مستنزفون منذ قرن ومنقسمون اليوم بين إمارتين والسلطة الفلسطينية لم تشف بعد من مفاوضات عقيمة والعالمان العربي والإسلامي غائبان والعالم يثرثر ولا يعاقب الاحتلال والولايات المتحدة تدعمه. إسرائيل استغلت مفاوضات ما بعد أوسلو غطاء لإنجاز حقائق على أرض الفلسطينيين وقضم وطنهم قطعة قطعة كـ قطع شرائح " الشوارما " أو " نقانق السلامة". منذ اوسلو عام 1993 تضاعف عدد المستوطنبن ثلاث مرات.
في ظل غياب مشروع فلسطيني بديل يبدو أن الغطرسة الإسرائيلية إياها التي محت الخط الأخضر( قانون القدس وقانون الضفة وتصريح ترامب) ستدفع لإعادة طرفي الصراع للمربع الأول، إلى ما قبل 1948. الطبيعة تشق طريقها وتنتج واقعا جديدا بعد سنوات يبدو الآن خياليا لكنه بالطريق إلينا والمفارقة أنه سيعيد الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر المتآكل تحت خيمة واحدة.
هذا لا يعني بالضرورة تحقيق تسوية الدولة الواحدة فالطريق أقصر، في البداية على الأقل، لجنوب إفريقيا جديدة ولما يشبه الحرب الأهلية قبل التوافق ربما على نظام سياسي يرضى به الطرفان. إسرائيل اليوم تمضي بثبات ومنهجية نحو إنهاء خنق تسوية الصراع بـ " الدولتين " وهي تمثّل المشكلة لكنها تقود الصراع نحو الحل،نحو مرجعياته الأولى وعندئذ ستختار بين أن تكون دولة ديموقراطية عربية وبين أن تصبح دولة عنصرية تحكم فيها أقلية يهودية أغلبية فلسطينية. هذه العودة للمربع الأول حالة طبيعية في مجريات التاريخ وليست تهديدا فارغا يستخدمه بعض رموز اليسار الصهيوني لكسب النقاط بدعوتهم لـ " الدولتين ". بالمدى البعيد إسرائيل تتقدم نحو ما هو ليس بصالحها ليس بفضل نباهة الفلسطينيين بل بغباء وجشع وغيبية قادتها. ويبقى السؤال السياسي والأخلاقي ما دور الفلسطينيين حيال هذا الواقع ؟ يبدو أنه في الواقع الحالي " تدفيع الثمن " الفوري غير متوفر بالقدر الكافي ويبدو أن الاستعداد لنضال مدني على مبدأ " شخص واحد صوت واحد" هو السلاح الأخير أمام الفلسطينيين مقابل إسرائيليين جدد منغمسين بذواتهم وإسرافهم متعامين عن عذابات جيرانهم السكان الأصليون، وكثيرون منهم يبدون جاهزية أكبر للهجرة لبرلين بحثا عن الراحة والسكينة وجودة الحياة وبالتالي جاهزية أقل للتمسك بالصهيونية. بعدما رضى الكثيرون منهم بالبين والبين ما رضي فيهم لم يبق أمام الفلسطينيين سوى تعزيز قدراتهم على البقاء في وطنهم وزيادة مناعتهم على المقارعة بنفس طويل.
[email protected]
أضف تعليق