اليوم يمكن أن نختصر قضية فلسطين بالقدس، فلولا القدس بكل ما تعنيه، واحتضانها الأقصى والقيامة، لكانت القضية الفلسطينية في مهبِّ عواصف المتغيرات السياسية أو في غياهب النسيان.
خلال العقد الأخير على الأقل، طرأت تغيّرات هائلة على منطقة الشرق الأوسط، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وحتى عروبياً... تغيّرات ارتدت رداء المصلحة.. ابتداءً بالمصلحة الشخصية وليس انتهاءً بمصلحة الأنظمة والمؤسسات الحاكمة في المنطقة العربية.. وأثّرت بشكل كبير على الوضع الفلسطيني.
منذ النكبة والنظام العربي، بشكل عام، يستمد جزءاً كبيراً من شرعيته من مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، بحيث لم يكن أي نظام أو قائد أو حتى رئيس حزب يستطيع الخروج عن دائرة دعم القضية الفلسطينية ولو بالقول.. فيما كان الالتقاء مع مصالح الاحتلال أو العدو الإسرائيلي من المحرّمات التي لا يمكن الاقتراب منها.. لأنها نار حارقة.
لكن التغيرات في العقد الأخير فتحت مجالاً لمحاولات كثيرة هدفها تحييد القضية الفلسطينية أو على الأقل إضعافها.. ما خلّف الانقسام الفلسطيني الذي يعتبر جريمة بحق القضية، لنصل إلى مرحلة المواساة والدعاء في ظل التوجهات لمحو الذاكرة العربية والإسلامية من المسميات الفلسطينية.
لا شكّ في أننا نحن الفلسطينيين، أيضاً، نتحمل جزءاً كبيراً مما وصلنا إليه.. سواء بالاتفاقات غير الناضجة التي وُقِّعت مع دولة الاحتلال وأوصلتنا إلى وضع لم نعد فيه قادرين على التراجع عنها أو التقدم للأمام.. ثم جاء الانقسام والسيطرة على غزة والاقتتال الداخلي، ليغذي النظرة السلبية عند بعض العرب والمسلمين.. القائمة على قاعدة إذا كان الفلسطينيون منقسمين فلماذا يطالبون بما لم يحققوه لأنفسهم؟! طبعاً هي مقولات حق يُراد به باطل.
المواطن العربي أُغرق في دوامة البحث عن لقمة العيش، وأصبح سد الجوع أو البحث عن فرصة عمل أهم بكثير من ثوابت الأمة.
ولكن ماذا حدث.. هي القدس الموحدة.. المدينة التي ارتبطت بالقرآن والإسلام والمسلمين، أيضاً.. هي جزء من العقيدة والإيمان الفردي.. وهي المتعلقة بالسماء والتي لا يمكن القبول بتغيير واقعها الحقيقي.
قرار ترامب هزّ الضمير العربي والإنساني بقوة.. وأعاد الذاكرة لفاقديها، قرار ترامب أعاد للأمة العربية والإسلامية ذاكرتها فخرجت نصرة للقدس ونصرة للحق.
الشعوب العربية التي اعتقد البعض أنها نسيت فلسطين والقدس فاجأت الجميع بانتفاضتها لتؤكد أن القضية ما زالت وستبقى حية إلى أن تجد حلاً عادلاً وأنها أولوية لا يتجاوزها شيء.
ملايين العرب والمسلمين والمسيحيين وفي كل أنحاء العالم خرجوا نصرة للقدس.. وإن اختلفت أشكال التضامن، هناك عواصم كانت فيها تظاهرات مليونية، وهناك بلدان عبّرت ببيانات ووقفات تضامنية.. ولكن في النهاية الكل كان مع فلسطين وعاصمتها القدس.
ولكن في بعض الأحيان، وحتى في أجمل الأوقات وأكثرها نضالاً ومقاومة نجد نقاطاً سوداء تؤثر على المشهد وتحاول التشويش عليه.
من هذه النقاط محاولة البعض الانجرار إلى محور هنا أو محور هناك، وتعمّد نفر قليل إحراق أعلام أو صور.. لا شك في أنهم فئة محدودة لا تعبّر بالمطلق عن آراء الشعب الفلسطيني بأغلبيته الساحقة، التي لا ترغب بالعودة إلى أخطاء الماضي. ولكن الأخطر أن هناك من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء فلسطينية مزوّرة.. من أجل أن يسب أو يشتم هذه الجهة أو تلك.. ومن المؤكد أن هذا الأمر تقف خلفه مخابرات الاحتلال التي تملك مئات الصفحات الوهمية بأسماء فلسطينية، ولكن، أيضاً من المؤسف أن نشاهد، أيضاً فئة قليلة تستغل هذا الوضع من أجل السب والشتم.. لحرف الأنظار عن القضية الجامعة وهي قضية القدس.
لا يضيرنا إن خرج عشرة مغردين أو مائة يعلنون فك ارتباطهم بفلسطين والقدس أو حتى إعلانهم جهراً تأييدهم للاحتلال الإسرائيلي، فهم فئة مضللة يجب عدم الرد عليها، لأن ذلك يعطيها قيمة.. في الوقت الذي تنشغل صفحات المخابرات المختلفة باستخدام القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني للإساءة للبعض هنا وهناك مستغلة الخلافات الإقليمية.
نحن نؤكد أن ليس 99% بل 99,9% من الشعب الفلسطيني يقف اليوم في وجه الإساءة إلى أي كان.. فالفلسطيني الحر ليس سباباً أو شتّاماً.. بل يتفهم كل الآراء وإن كان بعضها مؤلماً وجارحاً.
نحن، أيضاً لا نرغب في أن يمنّ أحد على القضية الفلسطينية.. فإما أن تكون قضيته فعلاً وقضية الأمة.. وقضية القرآن والإسلام والمسيحيين أو ليصمت.
من هنا، نشيد بالمواقف العربية والإسلامية والعالمية المناصرة للقدس، بكل مواقف العرب دون استثناء، شاكرين لهم الدعم بمختلف أشكاله.. ومؤكدين في الوقت نفسه أننا لسنا مع محور أو مع فئة أو مجموعة ضد محور آخر أو مجموعة أخرى.. فلسطين أكبر من أن تكون مع أو ضد ولكن هي اليوم بحاجة إلى الكل.
[email protected]
أضف تعليق