القرار الأميركي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لدولة الاحتلال، لم يكن مفاجئاً إلاّ لأولئك الذين ما زالوا يتوهمون بإمكانية تغيير واشنطن مواقفها.
القرار الأميركي اتخذه ترامب بناءً على وعد انتخابي، ولكنه حقيقة مُرّر بشكل مؤسسي منذ سنوات طويلة... حتى جاءت اللحظة المناسبة التي أصبحت فيها الإدارة الأميركية قادرةً على تنفيذه، أي في ظل هيمنة أميركية مطلقة على المنطقة ونظام عربي تابع بشكل مطلق، يبحث عن مصالحه وبقاء سلطته بدعم مباشر من واشنطن.
يضاف إلى ذلك أن الرئيس الأميركي أحاط نفسه منذ اليوم الأول لانتخابه بمجموعة من المستشارين والشخصيات الأميركية المؤيدة بشكل مطلق لدولة الاحتلال، وأكثر من ذلك، تربّت على العقيدة الصهيونية والاستيطان والدولة اليهودية.. هذه الشخصيات هي على يمين المتطرفين الإسرائيليين، ومن بينها صهره جاريد كوشنير ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات والسفير الأميركي في تل أبيب ديفيد فريدمان.. وهم الذين ساهموا وعجّلوا في اتخاذ القرار.
مواقف الرئيس الأميركي الشعبوي أصبحت تهدد حتى المفهوم الديمقراطي الأميركي، وتقود أميركا نحو المجهول، ولا عجب أن يطلق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تحذيراً من أن هتلر جديداً في أميركا سيؤدي إلى كارثة، مقارناً بين الوضع في ألمانيا النازية سابقاً والولايات المتحدة اليوم.
عودة إلى القرار الأميركي الذي يعني بالأساس محاولةً لحسم إحدى إشكالات المفاوضات السابقة بين الفلسطينيين والاحتلال، وهي القدس، حيث كانت موضع الخلاف الأكبر في كل مرحلة من مراحل المفاوضات أو الحرب.
اليوم حسم الأمر، وركل ترامب وفريقه السلام إلى غياهب المجهول، وأفرغ عملياً أي مفاوضات قادمة من مضمونها.
إذن، ما هي مواصفات صفقة القرن التي يتحدث عنها الأميركيون وجزء من النظام العربي؟ بوادرها ظاهر للجميع، وأساسها واضح من المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في العام 1897، حيث تم بحث «إشكالية» وجود الفلسطينيين في فلسطين وكيفية التعامل معهم.. الفكرة الأساسية كانت تقوم على مبدأين أساسيين، التهجير القسري، وإن أمكن بطريقة أفضل، والمبدأ الثاني، وهو الأقل رغبة عند الحركة الصهيونية وهو منح مجموعات العرب [على أساس عدم اعترافهم بشعب فلسطين] نوعاً من الحكم الذاتي في مناطق محدودة، شرط ألا يكونوا جزءاً من الدولة اليهودية، وإنما على هامش هذه الدولة.
في ظل التطورات التي شهدتها المنطقة منذ اتفاقيات أوسلو وحتى اليوم، وصلنا إلى الوضع الذي رسمته الحركة الصهيونية منذ نحو قرنين، بمعنى أنه في ظل الوقائع الموجودة على الأرض نحن مجرد سلطة حكم ذاتي في مناطق محصورة، تقوم بدور خدماتي على الأرض، مع مساعدات مالية ضمن اقتصاد استهلاكي تابع بشكل كامل للاحتلال، أما قضايا الأمن والحدود والأرض والمياه والسماء فهي قرارات في يد الاحتلال وستبقى كذلك.
صفقة القرن القائمة على حكم ذاتي خدماتي، وقبول دولة الاحتلال كعضو فاعل في المنطقة، واللاعب الأساسي على كل الصعد فيه، والقادر على حفظ أمن الأنظمة العربية وحمايتها من عدو تم خلقه خلال السنوات الماضية وهو إيران والمذهب الشيعي.
إذن قضية القدس ليست قراراً من فراغ، وإنما جزء من الهيمنة والقوة الأميركية المطلقة التي أصبحت تسيطر على المنطقة العربية بشكل شبه كامل.. وهي التي تسببت بالفوضى الخلّاقة في المنطقة وأشعلت الحروب، وكل ذلك كان ولا يزال يصب في مصلحة إسرائيل.
المنطقة العربية اليوم بمجملها مجرد لعبة في يد القوة الأميركية والهيمنة الاستعمارية الجديدة.
من يتوقع أن تكون الردود الرسمية العربية على نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال أكثر من استنكار خجول، فهو مقطوع عن الواقع، لأن واشنطن ترامب المهيمنة أصبحت تتحكم في حياة النظام العربي «الجديد».. أما أن تكون هناك قرارات حقيقية ومواجهة مع واشنطن، فهذا أبعد بكثير من الحلم.
مبدأ القوة والهيمنة بحاجة، أيضاً، إلى قوة مهما كانت قوة ضعيفة، ولكن يجب أن تكون ويجب أن تخلق في المنطقة.. وإلاّ سينطبق علينا ما أكده قادة الاحتلال من أن العرب مجرد «مسدس» بطلقة فارغة، أي مجرد أصوات ستنتهي خلال أسبوع أو أسبوعين كحد أقصى.
ملاحظة أخيرة: نائب الرئيس الأميركي مايك بنس سيزور المنطقة نهاية الشهر الجاري وسيلقي خطاباً أمام الكنيست، وهو يحاول أن يقدم ورقة ترضية فارغة المضمون للفلسطينيين، ومن هنا نتمنى على القيادة أن تُصرَّ على عدم لقائه لأنه، أيضاً، كان أسوأ من ترامب عندما قال: إن القدس عاصمة إسرائيل بشقيها الغربي والشرقي. مثل هذا الشخص ما الفائدة من استقباله..؟!
المصدر: الايام
[email protected]
أضف تعليق