خارطة الانطلاق وبداية سياسة الخروج من الأزمات بدل خارطة الصفقات لاستئصال الأمّة من وجودها الحضاري هو ما ننشده نحن بدلاً من الارتباط العضوي بأميركا وإسرائيل. لا أميركا تريد العرب في موقف حضاري ولا إسرائيل في نيّتها التقبّل بمفهوم الدولتين الذي يروج منذ أمد بعيد، بل إن الغرب كله ينزع في سياسته نحو التثبيت الدائم لمصالح إسرائيل في المنطقة مع التوسّع الاستراتيجي لها، حتى ولو أدّى ذلك إلى خراب العرب جميعاً أرضاً وبشراً.
ثمة مواقف للتاريخ، وثمة مواقف في وجه التاريخ. وثمة سياسات تنتج المزيد من المنطق الحضاري وتراعي خصوصيات الأمم، وتتماشى ومنطق التسوية الحضارية للأزمات. لكن في مقابل ذلك هناك سياسات تأخذ صفة الشاهد والمُنتِج للمأساة. ما يشهده العالم اليوم قائم على هذه الأخيرة. فالصفقات المُبرَمة مع واشنطن وإسرائيل ليست إلا صفقات دموية في أغلب الأحيان وعلى حساب الأمة والشعب والدين. وهي صفقات مُبرَمة أحياناً تحت غطاء مواجهة المدّ "الشيعي"، والوجه القبيح فيها أنها – غالباً - ترجع في تنفيذ هذه الصفقات إلى القتل البشع للأبرياء والخراب لكل ما يمتّ إلى الحياة بصلة كما هو حاصل في اليمن وفلسطين. والمال المُنفَق عليها على حساب الشعب السعودي وهو أحد عناصر هذه الصفقات وإن كان يتم من وراء الستار.
إن ضابط استخبارات مُجنّد لصالح الولايات المتحدة الأميركية، كما تقول بعض المصادر الاستخباراتية، قال "حين رفض السودان الانصياع للمصالح الأميركية واتّخذ موقفاً وطنياً إزاء تدخّلاتها لصالح الجنوبيين أحيل بموجبه عمر البشير على المحكمة الجنائية مباشرة وقسّم السودان. وكان أن أدين عمر البشير كأكبر مُتهّم بارتكاب جرائم إبادة جماعية ". ويعلم العالم اليوم كما الأمس جيّداً رغم صمته أن الإبادة الجماعية في اليمن واستمرارها منذ حوالي ثلاث سنوات ولا زالت حقيقة وليست خيالاً. وقبلها كان تدمير العراق على نفس الخُطى وما لحق بالعراق وسوريا وبشعبيهما لاحقاً تحت غطاء "الدولة الإسلامية" ما هو إلا تدبير مُهّيأ مسبقاً مع تحالف واشنطن. وما اعتراف وزير خارجية قطر السابق بذلك والمُساهِم في الأزمة أيضاً إلا الدليل وخير شاهد. وبعدهما حوصرت ليبيا وأحيل ملف الأزمة تحت غطاء "الربيع العربي" المشؤوم والتي تبنّته الجامعة العربية.
يئس سكان الغرب ذاته من السياسة التي تُمارَس من حكّامه فيه وخارجه ومن بعض ساسته ضد العالم والتمييز العنصري الذي يشكّل الحلقة شبه الخالدة في مواقف الجميع منهم، كما يئس العالم العربي من السياسة الخليجية التي كان آخرها الطلب من اسرائيل على لبنان واالمقاومة بتغطية مالية خليجية سخية.
إن سياسية التجديف التي مارستها أميركا وتمارسها على مربّعات الموت لا تقبل الرأي الحر ولا تؤمن بالرأي الآخر خارج أرضها. وما يحدث في البحرين شاهد على هذه السياسة. العرب أمام تحوّلات هي من صميم حركة التاريخ ومن منطق التطوّر الحاصل في المجال الفكري والمعرفي، بعد أن أصبح الغرب كله يستنجد بالإطارات العربية في ارتهان فاشل، المقصود منه تعرية المجتمعات العربية من قوّة وثروة مواردها البشرية ذات التكوين العالي.
الباب بعد هذه الانتفاضات لم يعد موصداً أمام التطوّر العلمي في البلدان العربية يكشف إرهاب الدولة الذي تمارسه أميركا باسم مجلس الأمن والمحكمة الجنائية ومعها بريطانيا وفرنسا،أو بواسطة التدخّل العسكري. كل ذلك لم يعد مقبولاً اليوم في ظلّ صعود الروس كقوّة عالمية وربما سيدفع بالكثير من الدول إلى الهروب من هذه المحكمة والالتجاء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وحتى مجلس الأمن لم يعد مجلساً للأمن بل صار مجلساً لإرهاب الدول التي لا تخضع بسياستها للرؤية الغربية والأميركية على وجه الدقّة.
المصدر: الميادين
[email protected]
أضف تعليق