هل كان مفاجئاً ما قام به محمّد بن سلمان حين أطاح بأبرز منافسيه السياسيين والاقتصاديين، بضربة استباقية (11 أميراً و38 وزيراً ونائب وزير ورجال أعمال كبار) ليخلو له الطريق إلى العرش؟
الإجابة وباختصار لم يكن الأمر مفاجئاً للمراقبيين المتابعين بعمق لتطوّرات الأوضاع في مملكة آل سعود منذ توليّ الملك سلمان للحُكم في (23/1/2015)، لقد كانت الخطوات واضحة لدى الأب والإبن الطموح في جعل الأمر كله في "آل سلمان" ومع مرض الملك والذي أشيع أنه قد وصل إلى حد التأثير العقلي، كانت قفزات الجنون والنهم العجول للفتى ناقص الخبرة (محمّد) لكنه عوّض هذا النقص بالاستناد في كل ما يفعل إلى شرعية والده (الغائب تقريباً عن الوعي ويتردّد أنه مصاب بداء الزهايمر) وإلى سطوة الأجهزة الأمنية وثقافة الخوف التي أشاعتها ضرباته المتتالية ضد من توّهم أنهم خصومه أو ضد خصومه ومنافسيه الفعليين داخل الأسرة الحاكمة، تلك الأسرة التي شاخت على مقاعد الحُكم منذ تولّته بالدم والمجازر الداعشية (الوثائق تؤكّد إنها نفس الفكر والآليات الداعشية!) على يد المؤسّس (عبدالعزيز آل سعود عام 1932).
إن الأمر إذن لم يكن مفاجئاً وكان متوقعاً إلا أن طريقة إخراج هذة (الحفلة من صراع السلطة) ربما كان هو المفاجئ لشدّتها واتّساع أطرافها. وهو ما يُنبئ بأن مصير الفتى الطموح العجول (بن سلمان) ربما سيكون شبيهاً بمصير عمّه الراحل الملك فيصل الذي اغتيل على يد ابن أخيه واسمه- أيضاً- فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود في 25 /3/1975. وكان صراع الدم والسلطة والثروة يقف خلف مشهد الاغتيال وقتها، وهو ما نحسبه يتشابه تمام الشبه مع مناخ الرعب والجنون (بل والدم فحادث سقوط أو إسقاط طائرة الأمير منصور بن مقرن بن عبدالعزيز وموته ومجموعة من أنصاره الكبار في نفس وقت سجن المعارضين. تثير علامات استفهام قاتلة). إن هذا المناخ الدامي (الداخلي والاقليمي وبالذات في اليمن ) الذي أشاعه محمّد بن سلمان في مملكة أجداده هذه الأيام يدفعنا وغالب المتابعين بعمق للشأن السعودي؛ توقّع أن يكون مصيره مشابهاً لمصير الملك فيصل وربما لن يتمتع بحُكم مملكة أجداده لفترة طويلة؛ وقد يكون آخر حكّام هذة الدولة التي قد تتمزّق وتصبح ثلاث دويلات وفقاً لمخططات غربية قديمة - ولهذا الحديث مقام آخر - لكن سيكون محمّد بن سلمان هو آخر حكّام آل سعود وصراعات الدم كما ينبئنا التاريخ لا تولّد استقراراً.. لكنها تولّد دماً وثأراً دائميين! ولمزيد من التفاصيل حول هذه النتيجة دعونا نفصّل قليلاً:
أولاً: وفقاً لما نشر سعودياً فإن أبرز الأمراء والوزراء ورجال الأعمال الموقوفين في السعودية، للتحقيق معهم، في ما سُمّي بحملة التطهير،(والأدق القول حملة إجهاض الانقلاب على الملك سلمان وابنه) من بينهم الملياردير السعودى الوليد بن طلال، والأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، الذي أعفي من منصبه، قبل أن يُلقي القبض عليه (يعني من القصر إلى السجن مباشرة لأنه كان أكثرهم تهديداً لطموح الفتى المجنون!)، وقالت الصحافة السعودية إنه تم إيقاف 11 أميراً و38 وزيراً ونائب وزير حالي وسابق على إثر تورّطهم في قضايا فساد، وضمّت القائمة اثنين من أبناء العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهما الأمير متعب، والأمير تركي، أمير منطقة الرياض السابق، والرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة السابق، الأمير تركي بن ناصر، ونائب وزير الدفاع السابق، الأمير فهد بن عبدالله بن محمّد.
ومن أبرز الوزراء الحاليين الموقوفين، وزير الاقتصاد والتخطيط المُعفى، عادل فقيه، وقائد القوات البحرية المُعفى، عبدالله السلطان، ووزير المالية السابق، إبراهيم العساف، ورئيس الديوان الملكي السابق في عهد الملك الراحل عبد الله، خالد التويجري، ورئيس المراسم الملكية في الديوان الملكي السابق، محمّد الطبيشي، ومحافظ هيئة الاستثمار السابق، عمرو الدباغ، والرئيس التنفيذي السابق لمجموعة الاتصالات السعودية، سعود الدويش، ومن أبرز رجال الأعمال الموقوفين صالح كامل وأفادت أنباء بأنه تم تجميد أمواله ومنعه من السفر، ووليد الإبراهيم مالك مجموعة قنوات "إم بي سي"، وخالد الملحم، المدير العام لشركة الخطوط الجوية السعودية السابق، وبكر بن لادن، رئيس مجموعة بن لادن، ومحمّد العمودى.
وذكر العديد من المواقع السعودية ومنها موقع "سبق" أن أبرز الاتهامات الموجّهة إلى الموقوفين هي: توقيع صفقات سلاح غير نظامية، وصفقات في مصلحة الأرصاد والبيئة، وقضايا غسيل للأموال، وتُهَم اختلاسات، وصفقات وهمية وترسية عقود على شركات، وتُهَم تتعلّق بالفساد وقبول الرشاوى، وسيول جدّة وفساد وقبول رشاوى في توسعة الحرم المكّي الشريف، وسوء استغلال السلطة، والاختلاس وتقديم الرشاوى والاحتيال، وذكرت قناة "العربية" وصحف سعودية أن لجنة مكافحة الفساد ستعيد فتح ملف سيول جدّة عام 2009، التي جرفت آلاف المنازل وتسبّبت في مصرع 116 شخصاً، في حين اعتبروا 350 فى عِداد المفقودين، وبحسب التقديرات الرسمية فإن نحو 3 آلاف سيارة تضرّرت من السيول، كما ستعيد التحقيق في تفشّي فيروس "كورونا".
وجاءت حملة التوقيفات فور إصدار أمر ملكي بتشكيل لجنة عُليا، برئاسة وليّ العهد،محمّد بن سلمان (ونظنّها غطاء شرعياً لتبرير الاعتقالات ولتشويه المعارضين!) لحصْر جرائم الفساد العام والتحقيق فيها، ومنح الملك سلمان اللجنة صلاحيات التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قِبَل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها، ولها حق اتخاذ أية إجراءات احترازية تراها حتى إحالتها إلى التحقيق إلى الجهات القضائية، وكلّفها الملك باتخاذ ما يلزم مع المتورّطين في قضايا الفساد العام واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة، ولها تقرير ما تراه محقِّقاً للمصلحة العامة، خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها.. وتعليقاً على هذه المعلومات نقول إن هؤلاء ليسوا هم فقط الفاسدين وإن تاريخ فسادهم كان معروفاً وطويلاً وموثّقاً ولم يتم اتّخاذ إجراءات ضدّهم فلماذا الآن؟ الإجابة لأن محمّد بن سلمان قرّر أن يشقّ طريقه وبسرعة إلى العرش قبل أن ينقلبوا عليه خاصة مع توارد أخبار تؤكّد أنهم -جميعاً- كانوا يجهّزون للانقلاب عليه وعلى أبيه، فأراد وفق المثل الشعبي المصري البليغ ((يتغدّى بيهم قبل أن يتعشوا به!!)) فهل هذا صحيح؟
ثانياً: وفقاً لما تسرّب من معلومات دولية وإقليمية فإن صراع السلطة والثروة بين محمّد بن سلمان وأغلب أجنحة الأسرة السعودية ومناصريها من رجال المال، كان قد وصل إلى حد الغليان خاصة بعد الإطاحة بوليّ العهد السابق الأمير محمّد بن نايف وتزايدت الرغبة في الانقلاب على الملك وابنه، وكانت ساعة الصفر للتنفيذ هي يوم 5/11 وفقاً لما نشرته بعض المصادر، لذلك سبقهم الأمير الطموح وضرب ضربته. وفي هذا السياق قال موقع "سبوتنيك" (موقع روسي) إن وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان تمكّن من إحباط محاولة انقلابية كبيرة على حكمه ووالده بقيادة الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني وأمراء آخرين وضباط ورجال أعمال.
وذكر الموقع نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية في الرياض إن محاولة الانقلاب التي تم اكتشافها كان مقرّراً لها أن تُنفّذ فجر الأحد 5 تشرين ثاني/ نوفمبر، إلا أن معلومات استخباراتية لم تسمّها أبلغت وليّ العهد السعودي بخطة الانقلاب قبل يومين من بدء تنفيذه، وقامت السلطات السعودية التابعة للأمير الطموح على الفور وألقت القبض على قائد الانقلاب الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني وعدد كبير من الضباط في الجيش والحرس الوطني.
ويبدو أن (بن سلمان) قد تلقّى نصائح من أطراف خارجية بعدم الكشف والإعلان عن المحاولة الانقلابية حتى لا يثير حفيظة المعارضين له، وقد يؤدّي ذلك إلى موجة من التعاطف مع الانقلابيين من قِبَل الشعب وبعض التيارات الوهّابية التي آذتها مؤخّراً سياسات وقفزات بن سلمان التي كان ينافق بها واشنطن والغرب للإيهام بأنه رجل متحرّر وعلماني!
ويتردّد أن بعض المسؤولين الأميركيين كانوا في الرياض قبل الأزمه بساعات وأنهم -هم- من نصحوا محمّد بن سلمان بأن يتم الإعلان عن اعتقال الانقلابيين بتهم فساد وليس بتهمة الانقلاب، مؤكّدين أن ذلك سيخدم بن سلمان وسيظهره أمام الشعب بمظهر المُحارِب للفساد وهو تقريباً ما جري! لكن السؤال الأخير والدائم والمُقلق هل بهذه الخطوات العجولة والمندفعة ضَمِنَ محمّد بن سلمان ...عرشه؟ أم اقترب من حتفه؟ إننا نظن -ليس كل الظن إثم- إن الأمير الطموح لن يستطيع أن يستمر طويلاً في قفزاته ومفاجآته فالشواهد في اليمن وسوريا وداخل المملكة ذاتها تؤشّر إلى أن مملكة أجداده بدأت تترنّح، وأن الضمانة الأميركية بل والإسرائيلية (التي قيل أنه زارها سرّاً قبل أيام!) المسانِدة له لم تعد كافية. لأن الصراع الآن بات داخل القصر.. (فعلاً القصر الملكي) ولم يعد خارجه، وأية محاولات للإفلات منه وبالهروب للأمام وعبر سياسة الصدمات أو الابتزاز الاقليمي (نموذج إجبار سعد الحريري على الاستقالة ومن قبله ابتزاز مصر في قضية الجزيرتين!) هذه السياسات للأمير الطموح، ستوقعه أكثر في شرك النهاية.. ولن يحول دون هذا الشرك أحلام التنمية المزعومة لعام 2030 ولا أوهام مدينة (نيوم) ولا عواصف حزم جديدة ضد اليمن أو سوريا أو حتي لبنان.. ونحسب أن الأيام القادمة ستشهد بالفعل مفاجأت، هذه المرة ستكون حقيقية؛ وغير متوقّعة وبإيقاع دراماتيكي، سيحدّد مصير ومسار مملكة، طال حُكمها بغير حق أو عدل أو حُسن جوار، وطالت شرارات فكرها الوهّابى التكفيري ملايين الضحايا في مشرق الأرض ومغربها. ربما قد نشاهد جميعاً النهايات المُفاجئة لـ (مدن الملح) كما أبدع في تسميتها الروائي الرائع الراحل عبدالرحمن منيف! وقد تأتي تلك النهايات على يد الحفيد العجول والطموح.. ساعتها ربما لن يستطيع أحد أن يمنع واحداً من ملايين ضحايا مملكة النفط من أن يعلو صوته وقتها قائلاً: (شكراً محمّد بن سلمان!)
المصدر: الميادين
[email protected]
أضف تعليق