الآن ..و بعد سبع سنوات وأكثر من المؤامرة على سوريا وبعد قراءة متأنية للحقائق والوثائق المتوفرة، يتضح أن ثمة دوراً لإسرائيل في الأزمة، إن لم يكن مشاركاً في إشعالها، فعلى الأقل، موظفاً لها، ومستثمراً لأحداثها الدامية بما يخدم مخططات الكيان الصهيوني تجاه المنطقة ككل وتجاه الدولة السورية بجيشها ونظامها القومي والوطني بوجه خاص. حول هذا الدور ودلالاته دعونا نوكد على الآتي:
أولاً : إن الهدف الإسرائيلي من المؤامرة الواسعة والحرب المعلنة على سوريا منذ سبع سنوات، تمثل في المساهمة الحثيثة في تفكيك الدولة وإنهاك الجيش، وإضعاف علاقاتها بقيم واستراتيجيات المقاومة في المنطقة. هذا هو الهدف الاستراتيجي الأكبر لتل أبيب، وهو للحق، قديم، ويعود إلى حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وتولي الرئيس الأسد للحكم وتبني الدولة السورية في عهده كما في عهد الرئيس الحالي د. بشار الأسد، لخيار المقاومة بمعناها الواسع ضد العدو الصهيوني، هو قديم إذن، ولكن إسرائيل استغلت فرصة المؤامرة على سوريا والتي بدأت في آذار/ مارس 2011 بدعوى ساقطة اسمها "الربيع العربي" لتعيد ترتيب أوراقها في استثمار الفوضى التى نتجت عن هذا الربيع وللثأر من الدولة التي احتضنت ودعمت وبقوة عبر تاريخها الطويل (وبخاصة في عهد الرئيسين حافظ وبشار الأسد) قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية، فكان دورها الفاعل في دعم الجماعات المسلحة وتلك المعارضة والترابط السري والعلني معها بهدف إسقاط النظام السوري وتفكيك الدولة والجيش، وإشاعة الفوضى في أحد أهم أركان القوة العربية وأحد أهم دعائم مشروع المقاومة في المنطقة.
ذلك كان – ولايزال – هو الهدف الاستراتيجى للدور الإسرائيلي فى الأزمة السورية، تنوعت أشكال التعبير عنه، إلا أنه ظل ثابتاً وحاضراً في كل التوصيات والدراسات والسياسات الصهيونية منذ مارس -آذار 2011 وحتى اليوم 2017.
ثانياً: أكدت الحقائق على الأرض أن التواصل الحميم بين إسرائيل ومن سموا بـ"جماعات المعارضة السياسية" كان أقوى وأمتن منها مع جماعات المعارضة المسلحة، إلى الحد الذي زارت فيه بعض قيادات تلك المعارضة تل أبيب وعقدت لقاءات واتفاقات معهم "نموذجاً فظاً لهذا ما قام به المعارض كمال اللبواني" وغيره واستمر هذا التواصل بشكل مباشر وأحياناً بشكل غير مباشر عبر واشنطن وباريس وأنقرة وطيلة سنوات الحرب.
في موازاة ذلك، ارتبطت إسرائيل بعلاقات وطيدة، مع بعض الجماعات المسلحة وفي مقدمتها جماعة "فرسان الجولان" في جباتا الخشب في الجولان المحتل، وما يسمى بجيش خالد بن الوليد، ومع تنظيمات تكفيرية مسلحة مرتبطة بالقاعدة وداعش تنظيمياً، وعقائدياً، وتدرجت العلاقة الإسرائيلية معهم من علاج جرحاهم في المستشفيات الصهيونية في القنيطرة والجولان وعلى الحدود الجنوبية وأحياناً داخل المدن الإسرائيلية الرئيسية، إلى الدعم بالغذاء ومشتقات النفط والديزل وصولاً إلى التنسيق الأمني في ضرب مواقع للجيش السوري وجمع المعلومات الاستخباراتية عنه إما تلك الجماعات المسلحة التي لم ترتبط بعلاقات مباشرة مع إسرائيل، استطاعت تل أبيب توظيفها سياسياً واستخباراتياً عبر وسطاء سواء تمثلوا بالأردن ومقر القيادة التآمرية بها، والمساهم فيها دول خليجية مع واشنطن، وتركيا وبعض الدول الخليجية الإمارات والسعودية وقطر تحديداً أوالأوروبية والأمريكية، ويمكن للمراقب المحايد الآن، الوصول إلي نتائج مؤكدة عن ترابط وتواصل معقد الحلقات بين تلك الجماعات المسلحة في أغلبها وبين الكيان الصهيوني خلال الأزمة السورية 2011-2017 وكلما طال زمن الحرب وتنوعت ساحاتها، كلما كان لليد الإسرائيلية دور رئيسي فيها، ليس فحسب بالتوظيف الفعال، بل بالمشاركة المباشرة.
ثالثاً : رغم دفء وتنوع هذه العلاقات بين إسرائيل وجماعات المعارضة السورية السياسي منها والمسلح، إلا أننا يمكن القول وباطمئنان علمي وسياسي كامل، أنها – أي هذه العلاقات – قد فشلت في هدفها الاستراتيجي، وحتى في أهدافها المرحلية فالدولة السورية وحلفائها، انتصروا علي هذه المؤامرة الكبرى علي سوريا، وبشهادة غلاة الأعداء في واشنطن وتل أبيب، صحيح قدمت سوريا وشعبها تضحيات كبيرة "دماً، ودماراً، واستنزافاً وفوضى" لكن المشروع الصهيوني / الغربي / الخليجي، الاستراتيجي قد فشل وإن ظلت هناك، انتكاسات هنا أو هناك، لكنها لا تلغي هزيمة المشروع. ونحسب أن الدولة السورية بجيشها وشعبها - وحلف المقاومة المؤازر لها - قد خرجت رغم تلك التضحيات الجسام، أقوى وأكثر خبرة (خاصة بحروب العصابات) وهو ما بات يثير القلق الكبير لدى صناع القرار العسكري والسياسي في إسرائيل، حيث تراكم الخبرة لدى الجيش العربي السوري ولدى حلفائه خاصة حزب الله، سوف يجعل أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل، ليست نزهة بل سيكون ثمنها غالياً.
خلاصة القول، إن سوريا التي تآمرت عليها قرابة المائة دولة لمدة سبع سنوات والتي دفعت من دم شعبها أثماناً غالية، أضحت اليوم، أقوى، وأصلب عوداً، فالمحن كما يعلمنا التاريخ وتجاربه، هي التي تقوي الدولة وتزيدها خبرة وصلابة. ربما تلك النتيجة تكون مصداقاً للقول الشهير للشهيد الليبي التاريخي عمر المختار في مواجهة مجرمي الاحتلال الإيطالي أوائل القرن الماضي، حين قال (إن الضربات التي لا تقتلني .. تقوي ظهري
وسوريا الآن، ظهرها وقلبها وروحها أكثر قوة وصلابة في مواجهة الأدوار الدولية المتآمرة كافة وليس فحسب الدور الإسرائيلي. إن هذه الصلابة والقوة للدولة السورية تمثل بالمعنى الاستراتجي قوة ستصب حتماً ليس في صالح سورية فحسب، بل في مصلحة هذا الشرق العربي الكبير كله، تماماً كما قال ذات يوم أمير الشعراء أحمد شوقي عن دمشق التي قاتلت المحتل الفرنسي في رائعته الخالدة عن سوريا حين قال (وعز الشرق أوله دمشق) ونعتقد جازمين أن عز العرب والشرق بإجمال سيظل مرهوناً بعز دمشق، وسيظل هذا بمثابة قانوناً تاريخياً ثابتاً، أراد الكيان الصهيوني أو لم يرد.
[email protected]
أضف تعليق