قد يكون التفكير في مساعدة الغير من أسمى وأنبّل الصفات الانسانية والتي حثتنا عليها الديانات السماوية، وقد يكون العطاء والشعور مع الآخرين من أجمل القيّم التي نريدها في مجتمعنا والتي نطمح في تربية أولادنا والأجيال القادمة عليها.
"فكّر بغيرك"- من أجمل الكلمات التي ممكن ان نسمعها. وبهذه الكلمات المهمة أيضا، اتحفنا الشاعر محمود درويش في أروع ما كتب. "وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ. لا تَنْسَ قوتَ الحمام. وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ. لا تنس مَنْ يطلبون السلام. وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ. مَنْ يرضَعُون الغمامٍ".
اقيمت في الآونة الأخيرة العديد من المبادرات الاجتماعية والتي أتت لتذكرنا بالتفكير بالغير وبمساعدتهم. مبادرات انسانية ذات اهداف نبيلة وطابع انساني من الدرجة الاولى جاءت لتقول لنا بأن لا ننسى ان نمد يد المساعدة لمن هم بحاجة اليها وخصوصاً هؤلاء المرضى الاطفال والذين لا حول لهم ولا قوة. مبادرات خيرية تطمح بعالم أفضل وبمجتمع أرقى. ولكن وللأسف، العديد من هذه المبادرات لم تفكر جيداً بالغير! او بكلمات ثانية، كان التفكير محدود، بل محدود جداً. والطريق للوصول الى الهدف النبيل كانت مليئة بانتهاك أهم حق من حقوق الغير وهو الحق في الخصوصية.
مبادرات فردية او جمعيات مسجلة تسعى الى مساعدة مريض بالسرطان باقتناء دواء او جهاز طبي معيّن وبالمقابل نشر صوره ومعلومات طبية خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي. التفكير في نشاطات رائعة تتمثل في توزيع هدايا او وجبات على مرضى ومرافقيهم ولكن بالمقابل ايضاً عدم النسيان بالتفكير في المصور والتصوير واحراج المريض واهله.
انا على دراية تامة ان معظم هذه الامور قد تنبع من نيّة حسنة او من منطلق ايجاد متبرعين ومتطوعين للمساعدة! وانا اعرف ايضا ان هنالك من المرضى واهلهم قد يوافقون على نشر الصورة. ولكن وانت "تفكر بغيرك" فكّر ايضا بنفسك وضعها مكان هذه العائلة. ما هو الشعور الذي يراود أب وهو يرى صور ابنه المريض في اوقات حرجة؟ وهل كان سيوافق لو لم يكن بحاجة؟ كيف تشعر ام محتاجة الى اغراض اساسية تحصل عليها من متطوعين يعطوها اياها في اليد اليمنى ويتصورون معها "سلفي" في اليد اليسرى؟
سنوات عديدة خلال تطوعنا وعطائنا في جمعية "سلامتكم"، والتي تعنى بمساعدة المرضى الفلسطينيين ومرافقيهم والمتواجدين للعلاج في المستشفيات المقدسية والاسرائيلية، أثبت لنا بأنه يمكن ايجاد متطوعين للمساعدة بدون ان تنتهك خصوصية المريض وتنشر صوره! وان هنالك الكثير من المتبرعين الذين يريدون العطاء والمساعدة بدون ان يشاهدوا صورة لمريض السرطان الذي تساقط شعر رأسه.
فكر بغيرك، اعطي من وقتك ومالك بدون ان تجرح من تساعد
وفكر بنفسك! كيف كنت تشعر وصور من هو غالي عليك منشورة في كل مكان في اصعب اوقاته؟
فكر بنفسك وبغيرك.
الكاتب هو محام من مؤسسي جمعية "سلامتكم" وعضو ادارتها.
[email protected]
أضف تعليق