صدر حديثا للباحثة في حقل علم الإنسان الصحّي-الثّقافي سهاد ظاهر-ناشف كتابا بعنوان "جسد الدّولة المُشتهاة: المجتمع، العلم والسياسة في معهد الطّب العدلي الفلسطيني" عن دار النّشر رسلينغ، بالعبرية.
هذا الكتاب هو ثمرة بحث ميداني قامت به الباحثة في إطار دراستها للّقب الثّالث في العلوم الاجتماعية والإنسانيّة في الجامعة العبرية (2011)، والذي مكثت في إطاره مدّة أربع سنوات في معهد الطب العدلي الفلسطيني الكائن في جامعة القدس في أبو ديس. في غضون مكوثها، وثّقت الباحثة جميع الممارسات الاجتماعية، الدّينيّة، الطبيّة، القانونيّة، البيروقراطيّة، الأكاديميّة والسّياسيّة التي تُحفر على جسد الميّت/ة الفلسطيني/ة وتُشكِّل كينونته حين يصل إلى منظومة الطّب العدلي الفلسطيني. يتقصّى هذا الكتاب سيرورة وجود جسد الميّت/ة الفلسطيني/ة منذ لحظة الإعلان عن الموت وحتى مثواه الأخير في الحالات الجنائيّة، حين يمر بمؤسّسات دولة حديثة، لكن في سياق استعماري تغيب فيه الدّولة بمفهومها الحداثي. يفكك الكتاب جدليّة العلاقة بين المجتمع العلم والسّياسة أثناء تنقُّل وعبور جسد الميِّت/ة الفلسطيني/ة في الحيِّز-زمن الفلسطيني وينوه كيف هذا الجسد وهذا الحيِّز-زمن يُشكِّلان بعضهما البعض. بالإضافة، تدّعي الكاتبة في هذا الكتاب بأن سيرورة جسد الميّت/ة الفلسطيني/ة ما هي إلا مرآة لجسد الحي/ة وأنّه يمكننا قراءة واقع وتاريخ المجتمع الفلسطيني من خلال قراءة واقع وتاريخ سيرورة موتاه. من هنا فإن الباحثة تدّعي بأن جسد الميِّت/ة حلبة تتشكَّل من خلالها علاقات السّيادة والمُقاومة بين الفلسطيني/ة والإسرائيلي/ة، وأيضا علاقات السّيطرة والمقاومة بين القوى السياسية والاجتماعية الفلسطينيّة المختلفة. من هنا فإن الكتاب يُبيِّن ويؤكِّد وكالة وفاعليّة جسد الميِّت/ة الفلسطيني/ة بتشكيل واقعه وسياقه الاجتماعي والسّياسي.
تفتتح الباحثة الكتاب بمُقدِّمة تصف فيها تاريخ وتطوُّر منظومة الطب العدلي وممارسات التشريح الجنائي في المجتمع الفلسطيني بدءا بالحكم العثماني، مرورا بالانتداب البريطاني، فالاحتلال الإسرائيلي ومن ثم ما تلى اتفاقيات أوسلو وعودة منظمة التَّحرير الفلسطينيّة كسلطة وطنيّة عام 1993 وحتّى اليوم. تسرد المقدمة أيضا بُنية منظومة الطِّب العدلي الحاليّة عامّة، معاهِد ومؤسسات الطب العدلي الفلسطيني، وبنية معهد الطِّب العدلي الذي مكثت فيه الباحثة في جامعة القدس، أبو ديس.
فصول 6
إضافة للمقدمة يحوي الكتاب ستّة فصول:
الفصل الأول عنوانه "عن الأجساد وعن الجثامين". يسرد ها الفصل الأدبيّات، الأبحاث والكتابات عن الجسد في العلوم الاجتماعية عامّة، وكيفية صياغة الجسد في الأدبيات والكتابات العربيّة خاصّة. يتطرّق هذا الفصل لما كٌتب عن جسد الفلسطيني/ة وللأطر النّظريّة الأساسيّة للكتاب. هذا ينضاف إلى توثيق مفاهيم الجسد والرّوح/النّفس وكيفية التعامل مع جسد الحي/ة وجسد الميِّت/ة وتشريح جسم الإنسان في الإسلام السّني، مُركِّزا على النّص الدّيني؛ القرآن والحديث النبويّ.
الفصل الثّاني عنوانه "كينونة جسد الميِّت/ة: البنية الاجتماعية-السياسية"، يوثق ويحلِّل كيفية انعكاس السياق السياسي-الاجتماعي على سيرورة جسد الميّت/ة. يُناقش هذا الفصل كيف تتفاعل بينيّة وهجانة جسد الميِّت/ة مع بينيّة وهجانة المجتمع الفلسطيني. يتطرق هذا الفصل لبنية وبُنى المجتمع الفلسطيني التي تُشيّد سويّة واقع الطب العدلي الفلسطيني، وتحوي هذه البنى العائلة، مؤسّسات حقوق الإنسان، جهاز القضاء العشائري الموازي وغيرها.
الفصل الثالث عنوانه "الخطاب الهَجين: ما بين الدّين والعلم". يستحضر هذا الفصل جميع الفتاوى التي أُعطِيت لمنظومة الطب العدلي خاصّة والفتاوى الخاصة بالميت/ة الفلسطيني/ة عامّة. يصف هذا الفصل جميع المُمارسات الدّينية على جسد الميِّت/ة الفلسطيني/ة ويصف جدلية العلم والدين في مؤسسّة الدّولة الحديثة. يتقصّى هذا الفصل مصدر هذه المُمارسات في النص الديني (القرآن والحديث) وكيفية تحول النص إلى أيديولوجيا دينية ومن ثم إلى ممارسة داخل منظومة الطب العدلي الفلسطيني. يفكِّك هذا الفصل العلاقة بين المؤسسة الدينية ومؤسسة الدولة وكيف كلاهما يأخذان دورا بتشكيل السيادة على جسد الميت/ة والحي/ة.
الفصل الرّابع عنوانه "لمن هذا الجسد" يوثق كيفية تأثير هويّة الميت/ة الفلسطيني/ة على كينونة جسده/ا حين يصل أو لا يصل، بسبب هذه الهوية، لمنظومة الطب العدلي والتّشريح. يصف هذا الفصل كيف تمتد الهويّة الدّينيّة، الجندريّة، الموقع الاجتماعي والسياسي وغيرها، لحياة الميّت/ة الفلسطيني/ة. يدّعي هذا الفصل بأن هذا الامتداد يجعل من جسد الميت/ة شيء وذات بنفس اللّحظة، وتقترح الباحثة تسمية لحالة ثالثة تخلطهما؛ "شيذات".
الفصل الخامس عنوانه "بيروقراطيّة الموت"، وهو يتتبّع المنطق البيروقراطي لمنظومة الطب العدلي الفلسطينية في ظل غياب دولة، وجود سلطة فلسطينية واحتلال-استعمار إسرائيلي، بهدف فهم الخطوات البروقراطيّة التي تُتَّخذ في كل محطّة بيروقراطيّة يمر بها الجسد خلال رحلته بين "مسرح" الموت، المستشفى الحكومي، الحيّز-زمن العام، معهد الطب العدلي والبيت. سيرورة يوجهها وكلاء قراءة وكتابة الموت الفلسطيني.
الفصل السادس والأخير عنوانه "حيِّز-زمن الجسد"، وهو يناقش قضايا الحيّز-زمن جسد الميّت/ة، ويشمل ذلك التطوُّرات التي طرأت على الحيِّز-زمن الفلسطيني وتحوُّلاته وكيف شكّلت هذه التحولات سيرورة حياة الميت/ة الفلسطيني/ة أثناء عبوره بهما. يصف الفصل الحيّز-زمن السياسي، القومي، الطبي-القضائي، الاجتماعي الفزيولوجي-الجسدي وغيرها. يدّعي هذا الفصل بان الزمن والحيّز في السّياق الفلسطيني يتفاعلان مع بعضهما البعض بحيث يُشكِّلان بعضهما ولا يمكن التطرق لأحدهما بمعزل عن الآخر، ولهذا فالكتاب يتعامل معهما كوحدة تحليليّة واحدة.
تنهي المؤلِّفة الكتاب بنقاش حول كيف كسر وتجاوز جسد الفلسطيني/ة الميت/ة نظريّات وبنى نظريّة غربيّة وانتج جديدة متحرّرة من ثنائيات التحليل والتنظير الغربي بقضايا الحياة والموت.
[email protected]
أضف تعليق