إسرائيل مُرتبكة بسبب تطوّرات الأوضاع في الوطن العربي بخاصة في القُطر العربي السوري. سوريا وحلفاؤها الذين يقاتلون معها يحقّقون إنجازات عسكرية واسعة ضدّ التنظيمات المسلّحة، وهم يحرّرون مساحات واسعة من الأراضي سواء في البادية أو مناطق الربيع الزراعي. وهناك في الساحتين العربية والدولية مَن يحسب انعكاس هذه الإنجازات على الوضع الاستراتيجي في المنطقة، والمستقبل الذي يمكن أن تؤول إليه. إسرائيل هي أكثر الكيانات اهتماماً بالتطوّرات، وهي تحسب تأثير ذلك عليها وعلى حلفائها.
إسرائيل لا ترى أن الوضع على جبهة الجولان سيعود إلى الهدوء كما كان سابقاً. لقد بقيت جبهة الجولان هادئة على مدى سنوات طويلة، ولم تشكّل جبهة تشغل الجيش الصهيوني على الرغم من استمرارية النشاطات الأمنية الإسرائيلية في الداخل السوري. الآن ستتبدّل الأمور من حيث أن الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة التي ستطرأ في الداخل السوري لن تتماشى مع مُعطيات الهدوء الذي كان سائداً. سنوات القتال التي شهدتها سوريا ستتمخّض عن تحوّلات سياسية وأمنية هامة مجسّدة في إعادة صوغ الدستور، وإعادة صوغ الحياة السياسية من حيث التشكيلات الحزبية والمشاركات الشعبية السياسية، وحرية الصحافة والإعلام والنشاطات الأكاديمية والدينية والثقافية، ومن ناحية التحصين الأمني وتطوير أجهزة أمن قادرة على كشف الاختراقات الأمنية والانقضاض عليها. الوضع السياسي المُستجدّ مع بقاء الرئيس بشّار الأسد سيشهد سياسة مواجهة وليس بالضرورة حربية مع إسرائيل. أي أن الأجواء السورية لن تبقى مسرحاً للنشاط الجوي الإسرائيلي، وجبهة الجولان لن تعود إلى صمتها سواء من قِبَل الجيش السوري أو حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية والسورية.
انتصار الجيش السوري يُشكّل خطراً على حليفين مهمّين للكيان الصهيوني وهما النظام الأردني وقوى 14/آذار اللبنانية. وسيؤدّي إلى تطوير مكانة المقاومة العربية. قوى 14/آذار كانت أول من تدخّل في الشأن السوري وسرّبت الأسلحة والمُقاتلين إلى داخل سوريا دعماً للجماعات المسلّحة وذلك تحت غطاء المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وهي التي عملت على غضّ الطرف أو المساهمة في إدخال الإرهاب إلى لبنان بهدف إقحام حزب الله في معارك مذهبية، وهي التي كرهت انتصار الحزب في جرود عرسال. لقد فتحت الباب أمام تدخّل القوى الخارجية العربية منها وغير العربية. أما الأردن فتآمرت على سوريا وقدّمت دعماً قوياً للأميركيين ومَن والاهم من سعوديين وقطريين، وألحقوا كبير الأذى في جيش سوريا وشعبها. ويكفي أن كان مخيم الزعتري تحت سمع وبصر النظام الأردني سوقاً للاتّجار بالفتيات السوريات لصالح خليجيين سقط لا يتحلّون لا بذمّة ولا ضمير ولا أخلاق.
لا الجيش السوري ولا المقاومة سيلجآن إلى الانتقام من هذين الطرفين، لكن البيئة السياسية والعسكرية الجديدة التي ستنشأ في المنطقة ستؤثّر عليهما. الشعب اللبناني بات أكثر وعياً بحقيقة المعادلات الداخلية، وأكثر إدراكاً بأن حزب الله قد عمل طوال السنوات على حماية لبنان وليس على السيطرة عليه، وأن خصوم الحزب هم الذين يتلاعبون بمستقبل البلاد ويطوّعونها لإرادة أعداء من صهاينة وأميركان وأوروبيين. أما الشعب الأردني فسيشهد تحوّلات سياسية وذهنية وثقافية جديدة تشده نحو تأييد محور المقاومة في مواجهة المحور الصهيوني الأميركي، وسيدرك أن نظامه السياسي شكّل دعماً قوياً للإرهاب والإرهابيين بالتعاون مع السعودية وقطر والكيان الصهيوني والولايات المتحدة. ومن الوارد جداً أن تكون أطراف المقاومة أكثر جرأة على عزل النظام الأردني والتغلغل في الصفوف الشعبية.
إسرائيل تتحسّس من تدهور القوّتين اللبنانية والأردنية لأنهما شكّلا سنداً لها ومرتعاً للنشاط الأمني الصهيوني والمُعادي بصورة عامة. لقد وقف الطرفان مع دول عربية أخرى ضدّ المقاومة في حرب 2006، ووقفا مع الصهاينة في حروبهم المُتتالية على غزّة. الجيش الأردني يقف حارساً الآن على حدود فلسطين المحتلة الشرقية وهو يقاوم المقاومة، والمخابرات الأردنية لا تنفكّ تتعامل مع المخابرات الصهيونية على كافة المستويات. ولهذا فإن أيّ تطوّر لمحور المقاومة، وأيّ نهوض للمقاومة مهما كان بسيطاً سيرفع من درجة تأثيرها السياسي والعسكري في المنطقة.
يحسب الكيان الصهيوني تطوّر جبهة الجولان، وهي ترى أن تجربة حزب الله في لبنان ستتكرّر في سوريا، ولن يكون حزب الله وحيداً في المواجهة. ستتطوّر مقاومة سوريّة مُتميّزة عن الحكومة السورية لكنها غير منفصلة، وستعيد المقاومة الفلسطينية في خارج فلسطين ترتيب نفسها بحيث تكون عنصراً فاعلاً في أية مواجهة عسكرية قادمة مع الصهاينة. ويبقى أن على المقاومة أن تستقطب المقاومة الفلسطينية في غزّة لتكون هناك جبهة جنوبية تساهم في تقليل قدرة الجيش الصهيوني على تركيز مهامه العسكرية.
من ناحية أخرى، يحسب الصهاينة قدرتهم العددية على المواجهة على عدّة جبهات مفتوحة عليهم: جبهة جنوب لبنان، ومن المُحتمل تشكّل جبهتين في محافظة الجولان وحوض نهر اليرموك، ومن الوارد أن تخترق المقاومة الحدود الأردنية من جهة منطقة الحمّة لتشغل الصهاينة من الزاوية الجنوبية الشرقية لالتقاء بلاد الشام، وربما جبهة غزّة. ولا أحد يضمن عدم تدخّل الصواريخ الإيرانية والسورية في المعركة. الصهاينة كانوا يملكون ما يكفي من القوات عام 1967 للقتال على عدّة جبهات لأنهم كانوا أكثر نفيراً. الآن انتقل النفير لصالح المقاومة حتى لو بقي عدد الجيش الصهيوني بمئات الآلاف. الصهاينة لا يملكون الآن قوات كافية للقتال على عدّة جبهات، وهم بحاجة إلى مزيد من الأعداد في قواتهم المسلّحة وما يتطلّبه ذلك من تزويد ونزل. سلاح الصهاينة متطوّر ومُدمّر، لكن المقاومة تمكّنت عبر الزمن من تطوير قدراتها التكتيكية لتشلّ مفعول هذه الأسلحة في الميدان العسكري. أسلحة الصهاينة تطال البيوت والقرى والمدن، وتدمّرها، وتقتل الناس بالجُملة، لكن هذا لا يحسم معركة على الأرض. إنه مؤذٍ ومُدمّر، لكن العبرة في تحقيق الأهداف وليس في سفْك الدماء. ولهذا يبقى الكيان الصهيوني متوتّراً ويراكم خوفاً على خوف.
[email protected]
أضف تعليق