لن تنظر إسرائيل بعين الرضا أو القبول ولن تشعر بالارتياح أبداً لما تراه يحدث في العاصمة المصرية، القاهرة، من طي لصفحة الانقسام الداخلي الفلسطيني، ومن عودة مظفرة لأم الدنيا لمكانتها الكبيرة في الشرق الأوسط، ولدورها الإقليمي المحوري، وعلى الأغلب فإن إسرائيل، ورغم أنها عادة ما تكون قد حسبت حساب هذه اللحظة، إلا أنها ستفكر في القيام بعمل ما يقطع الطريق على إنهاء الانقسام، لأنه وبكل بساطة يعني رص الصفوف الفلسطينية، ليس في قطاع غزة وحسب، وأن يفتح الباب لفتح معبر رفح بشكل طبيعي، ما يعني تصدع جدار الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات، بل لأن رص الصفوف الفلسطينية يعني أن الأرض في القدس والضفة الغربية ستتحرك تحت قدميها، وأن إعصاراً سيعصف بها قريباً، وأن كل ما ذهب إليه أقطاب التطرف في إسرائيل من تصريحات ومواقف مجنونة، بشّرت بضم الضفة الغربية، وبدفن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، بات مهدداً بأن تكنسه انتفاضة شعبية فلسطينية أو إعصار كفاحي فلسطيني متعدد المستويات والاتجاهات.
قبل أن يطلق بيان "حماس" الدخان الأبيض، صباح أول من أمس، في القاهرة، لوحظ أن أركان الحكومة الإسرائيلية، خاصة المستوى الأمني/العسكري، حرصوا على الحديث تباعاً عن مخاطر الأنفاق القسامية، على حدودها الجنوبية مع قطاع غزة، لدرجة أنهم كانوا يأخذون الضيوف، كما فعلوا مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ومبعوث الإدارة الأميركية للشرق الأوسط، مستشار البيت الأبيض السياسي جيسون غرينبلات لرؤية هذه الأنفاق على الأرض، وقد لوحظ أن أول رد فعل لإسرائيل على إعلان "حماس" حل لجنتها الإدارية الحاكمة لقطاع غزة، كان هو أن تخلي "حماس" عن السلطة في غزة، سيتيح لها التفرغ للاهتمام بالقسام!
أي أن إسرائيل كانت تظهر طوال الوقت وجود تنامي قوة الأنفاق، تهيئة لشن حرب في أي وقت تتطلب فيه الأوضاع السياسية داخل إسرائيل ذلك، خاصة وأن آخر حرب كانت قبل ثلاث سنوات، وإسرائيل اعتادت شن حرب على قطاع غزة كل عامين، رغم هذا فنحن نقدر أن محاولة إسرائيل التعطيل على المصالحة ومنع إنهاء الانقسام، سيذهب إلى اتجاه آخر، ذلك أن شن الحرب على غزة، سيؤدي لنتيجة عكسية تماماً، وهي التحام الفصائل والكل الفلسطيني في معركة رجل واحد، في غزة والقدس والضفة الغربية، وربما في أماكن أخرى أيضاً.
برأينا، لا بد من الاحتياط ومن توقع ما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل كرد على الخطوة الحاسمة داخلياً، ويمكن للجانب الفلسطيني أن يجد الحلول، على كل ما يمكن لإسرائيل أن تقوم به، فإذا ذهبت لمجلس الأمن، لإعفائها من مسؤوليتها تجاه قطاع غزة، فيمكن للجانب الفلسطيني إعلان قطاع غزة محرراً من الاحتلال، والمطالبة بوضع قوات دولية على حدوده الدولية مع إسرائيل، وأن يشترط القرار الأممي خروج إسرائيل من مياه غزة الدولية وإنهاءها الفوري لحصارها البحري والجوي للقطاع، لأن من حق غزة كأرض محرره ومستقلة أن تسيطر على المياه الدولية لشواطئها التي تمتد 50 كيلومتراً على البحر المتوسط، كذلك على أجوائها، والتي يمنع بالمقابل على قوارب إسرائيل دخول مياه غزة الإقليمية وطائراتها التحليق في أجوائها الدولية. كذلك أن ترفع إسرائيل يدها عن بئري الغاز في مياه غزة الإقليمية، وعدم التشويش على بدء استخراج الغاز الذي سيكون له دور مهم جداً في إنعاش الاقتصاد الفلسطيني، وتوفير أحد أهم ركائز استقلال الاقتصاد الوطني.
أما كرد على منعها إجراء الانتخابات، فلا بد من ممارسة الضغط على المجتمع الدولي لإجبارها على تسهيل العملية الديمقراطية الفلسطينية، وإلى حين أن ننجح في فرض ذلك على إسرائيل، فإن الشعب الفلسطيني يقبل بتشكيل هيئات قيادية بشكل جماعي، كما كان هو حال هيئات م.ت.ف القيادية خلال العقود السابقة، من أجل خاطر عيون تحقيق الوحدة الوطنية.
ويمكن الضغط على إسرائيل بإعادة تفعيل م.ت.ف كرد على إضعافها للسلطة من خلال منع إجراء انتخابات الرئاسة والتشريعي الخاص بها، كذلك يمكن إعلان ممارسة دولة فلسطين العضو المراقب في الأمم المتحدة سلطتها وسيادتها الكاملة على قطاع غزة، في الوقت الذي تقوم فيه بممارسة حقها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين المحتلة في القدس والضفة الغربية بكل الوسائل والأشكال المشروعة والممكنة؛ لإجبار جنود الاحتلال ومستوطنيه على الرحيل، وإنهاء الاحتلال.
باختصار، إن الجانب الفلسطيني أصبح هكذا، أكثر فاعلية، وأصبحت قيادته الرسمية وكذلك فصائله أقرب للشارع، وأكثر قدرة على الرد على الإجراءات الإسرائيلية، بعد أن جمع الجانب الفلسطيني النقطة الثالثة في ميزان الصراع، بعد ما حققه الأسرى في أيار الماضي، وما حققه المرابطون في القدس في تموز، "وخلي ترامب ينفع إسرائيل"!
[email protected]
أضف تعليق