استبقت الخارجية الأميركية زيارة الوفد الاميركي إلى المنطقة، وخاصة الدولة العبرية ورام الله، بالتأكيد على الموقف الأميركي المعلن بعدم تبني حل الدولتين لاستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وذلك عندما اعتبرت الناطقة باسمها «هيذر نويرت» أن من شأن تبني حل الدولتين أن يعتبر انحيازاً للجانب الفلسطيني(!) الرئيس الفلسطيني بدوره، وقبل وصول الوفد الأميركي مؤخراً للاجتماع به في رام الله، أشار الى أنه اجتمع مع الوفود الأميركية أكثر من عشرين مرة ولكن لم يكن لأي منهم فكرة عن موقف محدد إزاء القضايا الأساسية المرتبطة بحل الدولتين ووقف الاستيطان، وكان الرئيس يشرح لوفد حزب ميرتس اليساري الإسرائيلي الذي التقاه في رام الله، عن أسباب عدم تفاؤله بزيارة الوفد الأميركي مجدداً!
ومنذ زيارة وفد الخارجية الأميركي السابقة في حزيران الماضي، اتسمت تصريحات المسؤولين الفلسطينيين بالتشاؤم إزاء النتائج المحتملة للجولة الأميركية الجديدة والتعبير عن عدم الرضا والثقة بالموقف الأميركي المنحاز بقوة إلى الجانب الإسرائيلي، واستمرت هذه التصريحات على ذات النسق حتى ساعات قليلة قبل لقاء الرئيس مع الوفد الأميركي، إلاّ أن هذه الساعات القليلة شهدت حراكاً دبلوماسياً عربياً لا يمكن تجاهله، ذلك أن وفد الخارجية الأميركية كان قد زار السعودية والإمارات وقطر والتقى الملك الأردني والرئيس المصري، بعض هؤلاء اتصلوا بالرئيس عباس لوضعه في صورة اجتماع الوفد الأميركي معهم، إلاّ أن ما تسرب لوسائل الإعلام لا يختلف كثيراً عمّا تسرب عن اجتماع وزراء خارجية فلسطين والأردن ومصر في القاهرة، إذ ظلت تلك التصريحات في اطار المواقف المعلنة البروتوكولية، حتى أنها بالكاد تطرقت إلى المبادرة العربية، الأمر الذي أوحى بأن الجهد الأميركي مُنصَبّ أساساً على ما أسمته إدارة ترامب، بصفقة القرن، أو اختراق هام على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهو ما يمكن ترجمته من الناحية العملية بالمساعي الأميركية لعقد مؤتمر إقليمي حول الشرق الأوسط، وتحديداً بهدف استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تشارك به الدولة العبرية بما يمهد لاعتراف بشكل أو بآخر من قبل بعض الدول العربية بالدولة العبرية، مع أن الحديث يجري في نهاية الأمر حول «مفاوضات مباشرة» بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي!
برأي بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين والأميركيين، فإن قيام الادارة الأميركية بإرسال وفدها مجدداً، إنما هو محاولة من قبلها لتفسير ما تسرب من أقوال رئيس الوفد في اجتماع خاص بالعاصمة الأميركية قبل أيام، من أنه قد لا يكون هناك حل للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأن زيارة الوفد مجدداً برئاسة جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس ترامب، ما هي إلاّ رد على هذا التسريب، الذي لم تنفه أي جهة في وزارة الخارجية الأميركية، ومحاولة للتأكيد على أن الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي ما زال على قائمة أولويات الخارجية الأميركية.
في لقاء جمعني مع زملاء آخرين بنائب رئيس حركة فتح أبو جهاد العالول في غزة عَبر الفيديو كونفرانس، قبل أيام قليلة، قال: «إن الوفد الأميركي عادة يأتي إلينا في رام الله بعد لقائه مع المسؤولين الإسرائيليين، خاصة رئيس الحكومة نتنياهو، حاملاً اتهاماتهم حول التحريض وحول مرتبات ذوي الأسرى والشهداء من دون الخوض في القضايا الجوهرية الأساسية التي تتمثل تحديداً بحل الدولتين ووقف الاستيطان، الوفد الأميركي حامل لرسائل إسرائيلية أكثر من كونه وسيطاً يحاول الوصول إلى حلول ناجعة». وباعتقادنا أن الجولة رقم 21 لوفد الخارجية الأميركية الجديدة، لن تخرج عن هذا الاطار، رغم أن تصريحات المسؤولين الفلسطينيين بعد الاجتماع بالوفد كانت أقل سلبية من تلك التصريحات التي سبقت الاجتماع به، مع أن ما تسرب من ذلك الاجتماع لا يجيب على مطالبة الجانب الفلسطيني للجانب الأميركي بتحديد مرجعية واضحة للعملية التفاوضية والمتمثلة بحل الدولتين والإعلان عن هدف المفاوضات الذي يتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها، مع وقف للعملية الاستيطانية في المناطق المحتلة بما فيها القدس، ومن المؤكد أن ليس هناك لدى إدارة ترامب أي موقف يقترب من المطالب الفلسطينية التي تعتبر استحقاقات لضمان نجاح العملية التفاوضية، وهذا سبب كاف لكي لا تعلق القيادات الفلسطينية أية آمال على تحديد موقف أميركي يمكن معه إنجاح المساعي لاستئناف العملية التفاوضية، طالما ظل هذا الموقف الأميركي مرتبطاً بمواقف حكومة نتنياهو اليمينية التي من مصلحتها استمرار الوضع القائم، والذي يتيح لها الاستمرار بالعملية الاستيطانية مستغلة تأييداً أميركياً، أو على الأقل صمتاً من قبل إدارة ترامب على هذه العملية، في حين أن الوقت يمضي دون إحراز أي تقدم على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ما يجعل الرهان على دور أميركي، رهاناً خاسراً ودافعاً للبحث عن بدائل تبدأ من الوضع الفلسطيني الداخلي أولاً وأخيراً!
[email protected]
أضف تعليق