انطلقنا، السبت الماضي، مباشرة نحو قرية العراقيب غير المعترف بها من قبل الحكومة، في زيارة تضامنية ودعم وتواصل مع أهالي القرية. كنت بصحبة العم أبو مبدى ابراهيم نعوم، من النشيطيين الشفاعمريين في عدة أطر اجتماعية ووطنية والعم أبو شرف محمد حسان من النشيطين الطمراويين والملتزمين السياسيين. بعد سفر ساعتين وصلنا الى مفرق يؤدي الى مدينة رهط بعد بئر السبع، واصلنا السير وقال لنا العم أبو مبدى، الذي حضر عدة مرات للقرية من أجل الوقوف الى جانب أهلها في مواجهة عمليات الهدم المتعاقبة، التي وصلت الى 116 مرة حتى اليوم، قال لنا يوجد مدخل من جهة اليمين.
أخذت أمعن النظر في الشارع المؤدي الى ايلات، لكني لم أر أي لافتة تشير الى مدخل قرية العراقيب، وأجيب نفسي كيف ستكون هناك لافتة والقرية غير معترف بها من قبل السلطات؟ ما دامت الحكومة تلاحق الأهالي وتعمل على ازالة القرية عن الأرض، هل ستنصب لافتة تشير الى القرية؟ طبعا غير معقول. وبينما أنا مع أفكاري اذا بأبي مبدى يقول فجأة هذا هو المدخل، تنبهت فجأة واذ به ينعطف بالسيارة بشكل حاد عند انتهاء حاجز حديدي على يمين الطريق، ويدخل الى شارع ضيق وخطر ينقلنا الى عالم آخر. في الحقيقة هو بقايا شارع معبد كله حفر وأخاديد، وتبدأ السيارة بالتحايل عليها ونواصل السير حتى نصل الى لافتة كتب عليها " المقبرة الاسلامية"، فقلت لهم منبها: الى أين يا جماعة، اننا ندخل الى المقبرة، ما بالكم؟ وقد سهوت ثانية أن أبا مبدى يعرف الأرض بالشبر، فنظر الي قائلا ان الأهالي يقيمون في عرائش على أرض المقبرة خشية ملاحقة السلطات لهم. فازداد استغرابي، كيف يكون ذلك في دولة تعتبر نفسها واحدة الديمقراطية في الشرق المظلم؟ كيف تسمح لمواطنين يعيشون في كنفها أن يحيوا حياة عصور ما قبل الحجرية.
وعلى ذمة موقع جمعية "زوخروت – ذاكرات" فان قرية العراقيب هي قرية غير معترف بها تقع غربي شارع 40، بين مفرق لهابيم ومفرق جورال، لحين ما بدأت الدولة بعمليات هدم متكررة كان عدد سكان القرية حوالي 400 نسمة، اليوم يبلغ عدد سكان القرية العشرات فقط ويسكنون قرب مقبرة القرية التي يواصلون النضال ضد هدمها من قبل السلطات، في محيط القرية توجد ابار مياه عتيقة، مقبرة أقيمت عام 1914، بايكات وسدود عديدة.
وصلنا الخيمة الأولى وترجلنا من السيارة واستقبلنا سليم العراقيب، وكانت معه طفلة أعجبتني بقوة شخصيتها، حيث تتطوع بالاجابة عن الأسئلة وتصحح بعض المعلومات لوالدها وتحاول أن تشرح بكل جرأة وثقة بالنفس. وبعد لحظات حضر الشيخ أبو عزيز صياح الطوري الذي رحب بزواره أفضل ترحيب واحتضنهم وحياهم على حضورهم وتجشمهم عناء السفر وأكبر فيهم هذه الأريحية، وتحدث بلسان لطيف عبّر عن التزام بقضية بلده وشعبه، وعن وعي لما يحاك لنا كشعب واحد من تقسيمات وفق السياسة الانجليزية الخبيثة.
وقال الشيخ أبو عزيز الطوري " إن قضية أهالي العراقيب هي قضية حق في البقاء على أراضيهم. ونحن صامدون أمام الويلات وأمام السياسة العنصرية المجرمة التي تهدف الى تهجيرنا من أرضنا، أرض آبائنا وأجدادنا والتي تدعي السلطة أنها أرض دولة، وهنا نذكرهم أن دولة اسرائيل هي التي جاءت علينا وعلى أراضينا ومقدساتنا ولم نأت نحن اليها".
وأكد الشيخ الطوري أن أهالي العراقيب يتسلحون بالأمل والعزيمة ولن يرضخوا للاملاءات والاغراءات والمساومات التي تقوم بها السلطات. وحيى نساء وأطفال ورجال العراقيب الذين يتصدون بأجسادهم للجرافات التي تحضر لهدم بيوت القرية ويعيدون بناءها.
واذا ما واجهني أحدهم يوما ما، سواء كان يهوديا أو عربيا في محاولة لتحميلي جميلة على العيش في اسرائيل بقوله الممجوج: لتذهبوا الى سوريا أو العراق أو أي دولة عربية! سأقذفها في وجهه مجلجلة: فلتذهب الى العراقيب.. حيث لا ماء ولا كهرباء ولا بيوت.
وفي الختام حملنا الشيخ أبو عزيز الطوري دعوة ونداء لأهالي الجليل، للمشاركة في مهرجان الصمود والتحدي السابع على أرض العراقيب وذلك يوم غد السبت، فشدوا الرحال الى العراقيب.
(شفاعمرو/ الجليل)
[email protected]
أضف تعليق