لو كانت هناك حاجة لاختيار "كلمة رنانة" واحدة قد برزت في الجدل حول الاعلام الاسرائيلي في السنة الأخيرة، فهي كما يبدو ستكون كلمة "تنويع". فالسياسيون، موظفو مؤسسات الحكم والمديرون يعلنون من خلال كل منبر ان التعددية وتنويع الآراء هي المحرك لموجة مبادرات الاصلاح التي تجتاح الثقافة والاعلام الاسرائيليين. ولكن، يكشف فحص التغيرات التي حدثت بالفعل بأنه حتى تعيين وزير إعلام عربي لم ينجح في اخفاء الواقع المناقض تماما.
مطلع الشهر، اعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر للجمهور المتدين (حريديم) انه ينوي اطلاق ثورة "سماء مفتوحة" في الاعلام، وجزم بأن "تعدد الآراء هو احدى اللبنات الاساسية في نظام الحكم الليبرالي" وأن بنيته "خلق تنويع وحرية اختيار يخدمان جميع المواطنين". وزعم مبعوثوه في الكنيست ان اقامة شركة البث العام الجديدة، وتقسيم القناة الثانية والمناقصة الجديدة لتفعيل قناة الكنيست ورخصة البث الجديدة الممنوحة للقناة 20 تشكل كلها فرصا لفتح الاعلام على مختلف مجموعات السكان في اسرائيل. ولكن ما يتم تسويقه للجمهور على انه عملية ليبرالية لتطوير التنويع هو عمليا عبارة عن تلاعب بالكلمات يخفي اجراءً يهدف الى تقييد حرية الاعلام وتحويلها الى مريحة اكثر وداعمة اكثر للسلطة. ووفقا لذلك، بات عدد كبير من وسائل الاعلام اقل نقدية وشراسة نحو السلطة، لكنها لا تزال بعيدة عن تمثيل جميع مكونات المجتمع في اسرائيل.
ان هذا التوجه الموصوف بـ "توازن" الاعلام "اليساري" من خلال اضافة عناصر محافظة ويمينية وعرض العملية على انها تنويع، تبرز على طول وعرض خارطة الاعلام في اسرائيل. اولا محطة "جالي تساهال" عالية التأثير، حيث ان ضابط المحطة يارون ديكل تفاخر في القناة الثانية وفي مقال له في صحيفة "هآرتس" انه هو من جلب الشرائح المهمشة الى جالي تساهال، ولكن من الجدير ان نطرح السؤال: أي نوع من الشرائح المهمشة يقصد؟ إن التغيرات الكثيرة التي ادخلها الى برنامج البث جلبت فعلا ممثلين كثيرين لليمين والتيار الصهيوني المتدين الى خانات البث المرغوب فيها، وعلى رأسهم اريئيل سيغل، ولكن ممثلي الشرائح الأكثر تهميشا موجودون في افضل الاحوال خلف الكواليس في وظائف انتاج دُنيا. الاصلاح نفسه لصالح اليمين ظهر ايضا في الصفحات السياسية لصحيفة "يديعوت احرونوت" وفي وسائل اعلام محافظة بوضوح مثل القناة 20 وجالي يسرائيل.
ان جميع هذه الاطر تزعم بأنها تقود الى اعلام مختلف، "غير تل ابيبي"، لكن الحقيقة ان التجانس المطبق يصرخ لديهم حتى السماء ايضا. فمن الصعب حتى الاستحالة العثور على تمثيل جدي للمجتمع العربي بكل اطيافه، للمجتمع الاثيوبي، المجتمع المتدين الحريدي، وكذلك للشرقيين والنساء. يبدو ان الاقصاء لا يزال اقصاءً حتى لو اعتمر القبعة الدينية ودعم المستوطنات.
ان رغبة نتنياهو وجماعته بتقييد الاعلام واستخدامه لأغراضهم الخاصة هي رغبة جليّة. وممنوع السماح لهم بتغليف هذا بألوان اخلاقية من نوع تطوير التنويع او تعدد الآراء. من الواجب كشف هذه الخديعة الاعلامية – فما يحدث هو محاولة فظة لاستبدال نخبة معينة (تميل الى اليسار) بنخبة اخرى (تميل الى اليمين) ورغبة بتقييد الاعلام واستخدامه لأغراض السلطة، بدون دفع أي ثمن جماهيري حقيقي على ذلك. ان الجمهور في اسرائيل يستحق إعلامًا متوازنا يمثل حقا وفعلا جميع مكونات المجتمع – وليس التحدث عن ذلك فقط.
[email protected]
أضف تعليق