يدّعي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن أزمة كهرباء غزة مسألة فلسطينية داخلية، يعلم نتنياهو أنه يكذب مجدداً وعلى رؤوس الأشهاد، ليس فقط لأن الاحتلال هو سبب كافة كوارث الشعب الفلسطيني فحسب، بل لأن هذه الأزمة الناجمة عن الانقسام الداخلي الفلسطيني مفتعلة إلى حد كبير كضمان من ضمانات استمرار الانقسام الذي بدوره مصلحة إسرائيلية مطلقة، لذلك فإن أزمة كهرباء غزة ما هي إلاّ شأن إسرائيلي داخلي والمداولات التي تجري مؤخراً في إطار الوزارات الإسرائيلية وكذلك مع المستويات الأمنية في إسرائيل، تشير كلها إلى أن المحرّك الأساسي وراء هذه الأزمة كما الأزمات الأخرى هو الاحتلال الذي بدوره يجد في الوضع الفلسطيني أطرافاً تخدم هذا التوجه حتى لو لم تكن تقوم بذلك عن قصد.
إلاّ أن هناك بعداً آخر، للأزمة الكهربائية في غزة، يتعلق بإمكانيات الاستناد لها للقيام بحرب إسرائيلية جديدة على قطاع غزة، هذه الأزمة، مسألة إسرائيلية بامتياز، هناك تخوف واضح من أن تؤدي هذه الأزمة إلى المزيد من الاحتقان والاحباط في «الداخل الغزي» ما يدفع باتجاه حرب، لا يريدها الطرفان، لكنها قد تفرض نفسها مع تزايد الأزمات والكوارث اليومية وبحيث تصبح الحرب، في نظر بعض الأطراف، مخرجاً ملائماً يدفع بالعالم إلى التكفل بإيجاد حلول وإعادة إعمار، كما حدث في الحروب الإسرائيلية السابقة على القطاع، مع إدراك بعض الأطراف، أن حرباً إسرائيلية جديدة، قد لا تتكرر مع مواصفات الحروب السابقة مع تهديدات أكثر وضوحاً، بأن الحرب القادمة قد تؤدي إلى إعادة احتلال القطاع من جديد، مع كل ما يعنيه ذلك من تداعيات قد تطال عموم المنطقة المتخمة بالأحداث، لذلك فإن حلولاً إسرائيلية للمسألة الكهربائية مطلوبة لإزاحة احتمالات الحرب على غزة من الحسابات مع استمرار التهديد بهذه الحرب.
إلاّ أن بعض المستويات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، تجد أن هناك فرصة مواتية الآن للقيام بهذه الحرب على ضوء وصف الرئيس الأميركي، وكذلك بعض الأنظمة العربية حركة حماس «بالارهاب» ذلك، من وجهة نظر هذه المستويات، يبرر القيام بحرب تؤدي إلى تصفية حركة «حماس» وحركة المقاومة الفلسطينية مرة وإلى الأبد، بالاستناد إلى شهادة دولية وعربية على أن إسرائيل إنما تقوم بالحرب على الإرهاب.
في مواجهة هذه المستويات آنفة الذكر، يقف مستوطنو غلاف غزة، الذين خرجوا من تجارب الحرب السابقة والذين يدعون انهم يدفعون أكثر من غيرهم من الإسرائيليين ثمن تلك الحروب، من مصالحهم الزراعية والاقتصادية إضافة إلى عدم الاستقرار والخوف والاحباط وانتظار حرب قادمة وتداعياتها باستمرار حتى لو لم تنشب هذه الحرب، هؤلاء المستوطنون طالبوا مؤخراً بتشكيل لوبي في الكنيست للضغط لتبني سياسات تتيح حياة إنسانية في قطاع غزة، كي لا يدفع هؤلاء المستوطنون ثمن الحرب القادمة كما حدث اثر الحروب السابقة.. رئيس مستوطنة «بوابة النقب» ايلان شوستر يقول: المس بالبنى التحتية في قطاع غزة يؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني وعلى الحكومة أن تحسن حياة سكان القطاع كي يستمر الاستقرار لدينا في غلاف غزة»!
إلاّ أن مسألة حرب إسرائيلية جديدة على قطاع غزة لا تتعلق فقط بالأبعاد المتعلقة بتوفير حياة إنسانية لمواطني غزة، بل تتجاوزها إلى التأويلات السياسية لخطة «ترامب» لاختراق الملف الفلسطيني الإسرائيلي، من خلال استدعاء خطة أميركية ـ إسرائيلية سابقة والتي تطلق عليها الصحافة العبرية خطة الجنرال «جون الان» والتي توفر كل أشكال الأمن للدولة العبرية مع قيام دولة فلسطينية إثر تبادل أراضٍ، فإذا كانت هذه الخطة توفر كل أسباب الأمن الإسرائيلي، فلماذا ترفضها؟! هكذا يقول طاقم ترامب، إلاّ أن إسرائيل لا تثق بالضمانات الأميركية، خاصة وأن وضع الرئيس الأميركي ترامب، ذاته ليس مضموناً على ضوء إمكانيات إزاحته من البيت الأبيض أو على الأقل انشغالاته بالإشكاليات الداخلية المتعلقة بسياساته، يقول بعض الإسرائيليين: إن حرباً جديدة على قطاع غزة، ستؤجل ضغطاً أميركياً لتنفيذ هذه الخطة، التي يبدو أن طاقم ترامب لم يجد لها بديلاً لاختراق الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
الحديث عن الحرب، هو حرب وإن بأشكال مختلفة، ما يوقف الحرب الفعلية هو أن إسرائيل، بكل مقدراتها العسكرية والأمنية وتحالفاتها الدولية، لا تستطيع السيطرة على نتائج أية حرب قادمة، وصلت إلى هذه النتيجة مع حروب ثلاث شنتها على قطاع غزة، دون أن تتحقق الأهداف الجوهرية لهذه الحروب، هذا هو السبب الرئيس وراء الحديث عن الحرب من دون الاندفاع إليها، والإبقاء على قرار الحرب قيد السيطرة، هزيمة الآخر، ليس بالضرورة انتصاراً.. هذه هي نتائج الحروب السابقة التي من شأنها أن لا تعجل بقرار حرب جديدة، إلاّ إذا تم فقدان السيطرة على القرار؟!
[email protected]
أضف تعليق