يؤكّد بعض علماء النّفس أنّ سيكولوجيّة العنف، تُشير إلى أصول الدّافع الإجراميّ البشريّ، وعلى أنّ الإنسان شرّير بطبعه.
وممّا جاء في كتاب "سيكولوجيّة العنف" لكولن وولسون "إنّ العنف الفرديّ يعايشنا يوميًّا، بأشكال مختلفة، في البيت وفي الشّارع وفي العمل، ويمارسه الجميع: نساء ورجال وأطفال وشيوخ. يمارسه الرّضيع وهو يصرخ بحثًا عن الغذاء فيعضّ ثدي أمّه؛ يمارسه الرّجل وهو يصرخ بوجه ولده أو يعتدي على امرأته؛ تمارسه المرأة الّتي تجلجل وتشتم؛ يمارسه الشّاب وهو يقتل شابًّا آخر؛ يمارسه الفتى وهو يسخر من عجوز؛ يمارسه المرضى النفسانيّون والعقليّون الّذين يعتدون على أنفسهم أو على الآخرين قبل إقدامهم على الانتحار؛ و.. و..".
فذلكتُ ديباجة مقالي هذا لا لأتكلّف نهجَ الفلاسفة أو أستخدم أسلوب المنظّرين من علماء النّفس؛ جئت به لأذكّر أنّ ما نراه ونشهده من مظاهر يوميّة للعنف المستفحل فـي مجتمعنا العربيّ الفِلَسطينيّ فـي الدّاخل، تخطّت كلّ خصائص ومميّزات العنف المتعارف عليه، ولم يعد العنف مجرّد فطريًّا وغريزيًّا فـي طبيعتنا البشريّة وسلوكنا، بل جاوز الخطوط الحمراء، حيث موّهت – للأسف - دماء الضّحايا الحقيقة الموجعة.
وحقيقة الأمر أنّ الأسماء تتبدّل والجرائم تتكرّر، وفوضى العنف والسّلاح والقتل باتت ظواهر مألوفة وعاديّة جدًا في مجتمع بائس يائس، اعتاد قادته على مدار عقود زمنيّة إصدار بيانات شجب واستنكار والإضراب بين جريمة وأخرى، بين مذبحة وأخرى، وما بين بين.. وكأنّه كُتبت علينا متابعة مسلسلات القتل والجرائم في مجتمعنا كمتابعتنا لمسلسلات تلفزيونيّة، نخرج بين مسلسل وآخر إلى فاصل إضرابيّ بدل الإعلانيّ!
جرائم العنف والقتل متواصلة في بلداتنا وقرانا ومدننا العربيّة، وتحصد الضّحايا لأسباب تافهة سافلة وحقيرة. إنّ العنف المستشري في شارعنا العربيّ وفوضى السّلاح والقتل لا ولن يحرّك ساكنًا لدى المؤسّسات الإسرائيليّة، ولن يقضّ مضاجعها، ما دام المجرم عربيًّا والضّحيّة عربيّة، أيضًا.
لم تنجح الشّرطة الإسرائيليّة في حلّ غالبيّة جرائم القتل في مجتمعنا العربيّ، وتقديم المجرمين للعدالة، وسحب كافّة الأسلحة المرخّصة وغير المرخّصة من قرانا وبلداتنا، لا لأنّها عاجزة بل لكونها غير معنيّة بذلك..!
علينا الكفّ عن التّباكي إذًا.. دعونا لا نجعل من الحكومة شمّاعة نعلّق عليها كافّة أخطاءَنا وتقصيراتنا، فنتّهم نتنياهو وأردان وعلّان فقط – رُغم مسؤولّيتهم عمّا يحدث - ونجترّ الكلام وبيانات الاستنكار والشّجب والتّعاطف ونعلن الإضراب، ونتنصّل من واجبنا التّربويّ والتّثقيفيّ والتّوعويّ.
بات من الجسيم القضاء على العنف المتغلغل في مجتمعنا وتغيير أفكارنا وتنقية ضمائرنا وتصفية نفوسنا.. متى سنرمي جانبًا لغة السّخرية والوعيد والتّهديد والانتقام والعنف والتّفضيل والطّائفيّة والحقد والتّكفير، بدل أن نرمي بعضنا بعضًا بالرّصاص؟! تحوّلنا إلى مجتمع أوغاد فرديّة، لكلّ فرد فيه قوانينه الخاصّة، من دون محرّمات ولا ممنوعات!
طينة الإنسانيّة بمجتمعنا في اندثار، دعونا نبحث عنها.. نحن لم نعد نحترم ونقدّر حياة الإنسان وهو على قيد الحياة، نستنكر ونغضب ونثور وننتفض عندما يتحوّل الإنسان إلى ضحيّة إضافيّة في سجلّ الضّحايا.. لم تعد البيانات والاستنكارات والاجتماعات والإضرابات وقرارات لجنة المتابعة العُليا كفيلة بدرء الجريمة القادمة، بل على خلاف ذلك، فعلى إثر كلّ قرار "ألمعيّ" تنهال الكوارث والمصائب والجرائم..!
بيتنا هو النّواة، هو أساس التّطوّر والنّماء المستقبليّ، وعلى عاتق كلّ واحد منّا، في داخل ومن داخل البيت، تقع مسؤوليّة محاربة العنف والآفات المجتمعيّة المستشرية، فإن كان ملحُنا فاسدًا فبماذا يُملّح؟ وكيف يمكننا أن نلقي الملح بقدر الإصلاح؟!
إنّ الإضراب يشلّ الحركة التّجاريّة والاقتصاديّة في بلداتنا العربيّة التي تعاني وضعًا ماديًّا مُزريًا ويضرّ بمرافقنا التّجاريّة؛ إنّ الإضراب يغيّب الطّلاب المغيّبين أساسًا عن المدارس؛ إنّ الإضراب لن يردع المجرمين.. ولا نتنياهو ولا أردان.
واجب الأهل ترسيخ معاني التّربية السّليمة والإنسانيّة في أذهان أبنائنا وبناتنا..
نعم؛ لقد حان الوقت لننتفض من آلامنا ونلعق جروحنا، بعد أن ننتفض، بدايةً، ضدّ أنفسنا. ومن ثمّ يحقّ لنا الانتفاض ضدّ المؤسّسات الحكوميّة وأذرعها الأمنيّة والمخابراتيّة ورجال الشّرطة..
مسؤوليّة قادة مجتمعنا العربيّ توفير الأمن والأمان، طالما لا ولن توفّرها لنا الحكومة اليمينيّة العنصريّة، فاعملوا على تأمينها لنا، بدل الإضراب كلّ خميس وجمعة..!
(حيفا)
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
أصبت وأحسنت صديقي ، لا للتباكي وحري بنا أخذ المبادرة بايدينا ومواجه عيوبنا .. فمعرفة الداء نصف الدواء ... تحياتي طوني