اقترح رئيس دائرة الاسكان في البلاد افيجدور يستحاقي مؤخرا إلزام كل من يرغب بالاعتراض على خارطة هيكلية بدفع رسوم مادية عن تقديم الاعتراض. يستند هذا الاقتراح الى فرضية غير مثبتة تقضي بان الاعتراضات على الخرائط الهيكلية في البلاد تقدم بسهولة وبكمٍ كبير وان مناقشة هذه الاعتراضات تعوّق اجراءات التخطيط والتطوير في البلاد. الهدف إذن إيلام المعترضين ماديا حين سيضطرون ان يدفعوا من مالهم حتى يعترضوا على خارطة هيكلية. أرفض هذا الاقتراح وأراه مخالفا لمبادىء القانون الدستوري والاداري في البلاد وحتى لقيم المجتمع الديموقراطي، وأوجز في مقالتي هذه بعضا من الاسباب التي بنيت عليها موقفي.
أولا، ان الرغبة في تحسين أداء التخطيط في البلاد وتسيير العدد الاكبر من الخرائط الهيكلية لا تتحقق على حساب الجمهور ولا تتحقق عند سلب الجمهور حقه الأساسي في الاعتراض على الخرائط الهيكلية. للاعتراض حسب القانون على الاجراءات التخطيطية فوائد جمة أذكر منها تزويد لجان التنظيم والبناء بأفكار ومعلومات وأدلة لم تكن لجان التنظيم على دراية كافية بها او انها لم تعطها الاهتمام والاعتبار الكافي. وكثيرة هي المرات التي اضطرت بها لجنة التنظيم والبناء الى فحص الامور بشكل أعمق وأوسع وان تتخذ القرار الصائب بشأن الخارطة المقترحة بعد ان قدم لها اعتراضٌ مهنيّ جديّ أضاء أمامها أمورا كانت خافية عليها. بالاضافة الى ذلك، تهدف وسيلة الاعتراض إلى تمكين المواطن ان يكون قدر الامكان شريكا حقيقيّا في القرارات التخطيطية التي تؤثر عليه وعلى حياته وعلى أملاكه او على الاقل صاحب تأثير حقيقي على هذه القرارات. ان حق الاعتراض هو تجسيد لواجب السلطة الادارية ان تستمع الى موقف المواطن قبل ان تتخذ قرارا يمس حقوقه. وعليه، إن وضع عائق امام تقديم اعتراض من قبل المواطن من خلال إلزامه بدفع رسوم مادية حسب الاقتراح الاخير، سيحوّل إجراءات التنظيم والبناء الى إجراءات أحادية الجانب وغير عادلة بل إلى أحكام غيابية في كثير من الاحيان!
ثانيا، يفترض المقترح دون أساس علميّ ان تقديم اعتراض على خارطة هيكلية لا يكلف المواطن جهودا خاصة ولهذا السبب تقدم الاعتراضات بسهولة نسبيا. الا ان الصورة في كثير من الاحيان غير ذلك. إن نسبة كبيرة من الاعتراضات التي تقدم على الخرائط الهيكلية تتم بواسطة محامٍ او بمساعدة مهنية من ذوي الاختصاص وقد تصل كلفة الاعتراض الى مبلغ كبير نسبيا من المال. ولذلك فان إلزام المعترض برسوم مادية سيثقل كاهله بعبىء مادي آخر وسيكون الفقراء والمعوزين أكثر المتضررين من هذا المقترح حتى انهم قد يتخلون عن حقهم الاساسي بتقديم إعتراض على خارطة هيكلية بسبب الكلفة المادية التي ستكون منوطة بتقديم الاعتراض. عمليا، سيقتصر حق الاعتراض وقتئذ على الاغنياء وسيصبح حلما بعيدا في نظر الكثير من المواطنين المعوزين والفقراء.
ثالثا، تطلب السلطات الإدارية رسوما بشكل عام حين يحتاج التعامل مع طلب المواطن او تقديم الخدمة للمواطن الى جهود خاصة من قبل موظفي السلطة الادارية، إما من ناحية الوقت أو التنظيم أو الاختصاص. ولكني لا اجد ان التعامل مع اعتراض على خارطة هيكلية وعلاجه حسب القانون يتطلب من لجنة التنظيم والبناء جهودا غير عادية الى درجة ان تشترط لجنة التنظيم قبول الاعتراض برسوم مادية. لا يشبه تقديم الاعتراض على سبيل المثال دعوى قضائية في المحكمة والتي يحتاج علاجها والحكم فيها الى عدد من الجلسات القضائية والعلاج المتواصل من قلم المحكمة وهي تنتزع بذلك قسطا كبيرا من طاقات ووقت القاضي وموظفي المحكمة وجهات اخرى. لهذا السبب ايضا لا اجد مسوّغ قانونيا او اخلاقيا مقنعا يشّرع فرض رسوم مادية على المعترضين.
رابعا، لا أنكر حقا انه في بعض الاحيان تقدم اعتراضات لا اساس لها وتهدف في الواقع الى تعويق الاجراء التخطيطي فقط. الا ان القانون لم يغفل مثل هذه الحالات بل انه يسمح للجان التنظيم والبناء ان تلزم معترضا باتعاب صاحب الخارطة الهيكلية او نفقات الاجراء في لجنة التنظيم وذلك ان ثبت ان الاعتراض قدم عن سوء نية وهو مزعج واستفزازيّ. ومع ان لجان التنظيم البناء بالكاد تستعمل اهذه الصلاحية التي منحها اياها قانون التنظيم والبناء أرى ان قرارا فرديا بتغريم معترض باتعاب صاحب الخارطة الهيكلية او بنفقات الاجراءات في الحالات المناسبة والتي عليها ان تكون في نظري نادرة وخاصة، يبقى حلا أفضل من قرار جماعي شامل يلزم المواطنين ممن يرغبون بالاعتراض على خارطة هيكلية بدفع رسوم مادية لتقديم الاعتراض كما اقترح مؤخرا.
لنتذكر دائما ان الاعتراض ليس خدمة او سلعة بل هو حق. هو جزء من حرية التعبير عن الرأي لكل انسان، هو جزء من كرامته ووسيلة هامة للدفاع عن املاكه. لا يمكن المس بحق ما لمجرد انه يزعج لجان التنظيم والبناء او انه يحد من سرعتهم في انهاء الخرائط الهيكلية كما يزعم اصحاب الاقتراح. من غير المعقول ان نقبل بأمر كهذا في مجتمع ديموقراطيّ عليه ان يحفظ حقوق الانسان والمواطن.
* مختص في قضايا الأرض والتخطيط وباحث للقب الدكتوراة في القانون.
[email protected]
أضف تعليق