بدايةً، وللتوضيح أود أن أنوّه أنّي لم أسطر هذه المقالة، وبهذه الصيغة السلبية لغاية شخصية أو للمسِّ بأي إنسان، سواء كان رجل مجتمع، أو دين، موظفًا أو منتخب جمهور، وإنّما لقلقي الشديد وحرصي على مصلحة الطائفة، مصيرها ومستقبلها الغامض. أمّا عنوان المقالة وما يبطّنه من معنى فيظهر في هذه القصة القصيرة التي رويت على لسان العرب والتي تنطبق على واقعنا المر.
من بين المعاني، أنّ حفرة تحفر للأسد قصد اصطياده، ولا تحفر إلا في مكان عالٍ من الأرض حتى لا يبلغها السيل. تروي القصة أن رجلًا كان يعمل في صيد الأسود قام بحفر زُبْية عميقة على إحدى الروابي، وغطّاها بالأغصان بعد أن وضع الطعم الذي سيخدع به الأسد ويجذبه إلى تلك الزبية فيسهل عليه اصطياده. ولكن الرياح لا تجري حسبما تشتهي السفن، ففي ذلك اليوم أمطرت السماء مطرًا غزيرًا وسالت السيول حتى وصلت تلك الزبية وطمرتها فأفسدت عليه صيد الأسد. والفرق أو العلاقة بيننا وبين قصة الصياد والأسد، أنه نجا، أمّا نحن فلم تمطر السماء في محيطنا، ووقعنا في الحفرة، وتمّ اصطيادنا، ووضعنا في حفرة عميقة لا يوجد فيها أي منفس. اَمل من القارئ فهم ما بين السطور.
إنها صرخة صادقة من الأعماق، لعلها توقظنا من سباتنا العميق، راجيًا أن لا يعتقد القارئ أو أصحاب النفوس المريضة أني إنسان متشائم أو محرِّض؛ فواجبي وضميري يحتّمان عليَّ التطرق لكلّ مسألة وطرح حقيقة أوضاعنا ومشاكلنا التي تجاوزت كل الخطوط، وازدادت تعقيدًا، حتّى تقبلنا هذا الروتين. لا شك لدي أن الأغلبية الساحقة من أبناء طائفتي توافقني على دقّ ناقوس الخطر، لأنّنا، فعلًا، في أزمة ومحنة وأمام انفجار وشيك وبداية انتفاضة، وعليه فالمطلوب توحيد الصفوف للعمل على تحررنا من كوننا أداة جهاز تحكم من قبل المؤسسات الحكومية وقادة مفلسة تنقصها الجرأة والرؤيا والكف عن مسح الجوخ، والتغريد خارج السرب، والعزف على إيقاع نشاز، وسياسة الهزّ والمساترة والتصريحات بلا رصيد، بثّ العهود والوعود الجوفاء، وإطلاق الشعارات الرنانة والتصفيق لكل وزير أو عضو كنيست أو موظف حكومة يزورنا ليتباهى بما يسمى حلف الدم والثناء على ولائنا بل والتقاط الصور.
زاويتي، تدعو من على هذا المنبر، كل درزيّ حر وعنده كرامة وضمير التجند للعمل على حث قادة الطائفة السياسية والدينية على إعادة ترتيب أوراقنا بمشاركة كل أبناء الطائفة وخاصة الشباب في تقرير مصيرنا وإدارة شؤوننا في مجالات وميادين ومرافق الحياة على اختلافها أسوةً ببقية المجتمعات.
ومما زاد الطين بلة هي المهزلة والمسرحية الأخيرة والدور الذي لعبه أعضاء الكنيست الدروز وتغيبهم عن التصويت حول اقتراح قانون التخطيط والبناء الجديد (109) المجحف والذي يمس بمصلحة كافة الأقليات، يضعفها ويدوس على كرامتها وحقوقها، والتي تمت المصادقة عليه وإقراره. وفي هذا السياق ومن أجل الإنصاف لا بد أن نبعث بهمسة تقدير وعرفان لرئيس مجلس يركا وكل من سانده ودعمه في موقفه المشرف.
وبمناسبة حلول زيارة مقام النبي شعيب عليه السلام الغني عن التعريف بمكانته ومنزلته، وهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا لم أجد أفضل مما قاله سماحة شيخ العقل للموحدين في لبنان فضيلة الشيخ نعيم حسن: " نحن أمام رب رحيم شفوق، نتوجه إلى لطفه وكرمه بقلوب مستغفرة ونوايا صادقة ولسان حالنا إلى إخواننا الأعزاء، التوصية ببذل الهمم نحو المقاصد النبيلة المرتبطة باحترام مكارم الأخلاق وتهذيب الجوارح من كل ما يشوِّش على نقاء الروح والسعي الدائم في المحافظة على وحدة الكلمة وجمع الشمل وائتلاف الحال لأن ليس لدينا بعد رحمة الله سوى وحدتنا وعزيمتنا المشتركة لمواجهة كل الصعاب التي تواجهنا. إنه في ارتقاء الذات يتم التأسيس لكل خير اجتماعي حيث إنه بمقدور المتأدب- سواء في ذلك الرجل والمرأة- أن يبني العائلة المنشودة على أساس صلب لا تزعزعه اختلالات المفاهيم في الحياة المعاصرة. هذا في حد ذاته قاعدة قوية تمكن من بناء مجتمع حضاري، مجتمع لا يتبادل فيه الناس وجوه الخلاف والتنابذ والنفور والانانية بل يتناغم فيه الجمع بروابط الألفة والتعاضد والمشاركة والاحترام، فالتوحيد ليس سبيلا ينعزل فيه المرء عن محيطه، بل هو حافظ لثقافة روحه ولمنعة عائلته ولخير بلدته ومجتمعه ووطنه.
أسأله تعالى أن ينتصر المظلوم على الظالم وتتحقق العدالة في كل بقاع المعمورة أعاده على المحتفلين والعالم بكل خير ومحبة.
[email protected]
أضف تعليق