تحوّل يوم الأسير الفلسطيني، هذا العام، والذي كان يمر بشكل تقليدي في الأعوام السابقة، إلى مناسبة كفاحية بامتياز؛ وذلك مع بدء إعلان نحو ربع الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية إضرابهم عن الطعام؛ بهدف نيل بعض حقوقهم، بتحسين ظروف اعتقالهم، التي تفتقر _ بالطبع _ لكل ما هو إنساني، فضلاً عن أن سياق اعتقالهم، أصلاً، يتم خارج إطار اتفاقيات جنيف، باعتبارهم أسرى حرب، لا بد من إطلاق سراحهم، بمجرد عقد اتفاقية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأسرى الحرب لا يحاكمون وفق قوانين الاحتلال، ولا يعاقبون أو يعاملون معاملة سيئة، بل يتم حجزهم لحين انتهاء حالة الحرب، أكثر من ذلك فإن المعتقلين الفلسطينيين هم أصلا أسرى حرية ومعتقلون بتهمة الكفاح المشروع عبر المقاومة المشروعة، بمعايير وقوانين الأمم المتحدة والشرائع الدولية، للاحتلال العسكري.
وفي الحقيقة، فإن السياق الوطني العام، كذلك، الحالة الخاصة للأسرى، دفعت النخبة القيادية في الأسر إلى أن «تدق» جدران الخزان، هذا العام، وأن ترفع شعلة وراية الكفاح بنفسها، وذلك بعد طول انتظار، أن يأتي الفرج من خارج قطبان السجن، إن كان ذلك عبر جهود السلطة التي كانت تتكلل عادة، مع كل جولة تفاوضية مع إسرائيل، بالإفراج عن مجموعة من الأسرى، أو عبر جهود حركة «حماس»، من خلال صفقات تبادل الأسرى، التي كانت تجريها، كلما حدث وأن وقع بيدها جندي إسرائيلي أو حتى جثة إسرائيلي في الأسر.
السياق الوطني العام، انعدم فيه الأفق _ تقريباً، بوجود بارقة أمل، في المدى المنظور، لأن تنجح السلطة أو «حماس» في تحقيق أي شيء على هذا الصعيد، ذلك أن مفاوضات السلطة مع إسرائيل متوقفة منذ أعوام، وليس هناك في الأفق ما يشير إلى إمكانية إطلاقها مجدداً، خاصة وفق الشروط الفلسطينية، كذلك فإن اتصالات بين «حماس» وإسرائيل بشأن إجراء صفقة تبادل، لا تلوح في الأفق ولا توجد هناك أي مؤشرات تدل عليها، فضلاً عن أنها تأخذ وقتاً طويلاً عادة، ما بين بدئها وبين انتهائها.
أما السياق الخاص بالحالة الأسيرة نفسها، فيشير إلى أن الاحتلال، قد استفرد بشكل شبه تام بالأسرى، والذين لا يشكلون فقط النخبة الوطنية المتقدمة من الشعب الفلسطيني، بل باتوا يمثلون نقيض النخبة السلطوية البيروقراطية التي تتصارع على امتيازات سقيمة لسلطة بصلاحيات محدودة بين غزة ورام الله، بحيث بات التعامل معهم على أنهم أسرى حرية أو حتى أسرى حرب أمراً بعيد المنال، وحيث إن الأسرى يشكلون أهم وأنبل وأفضل حالة وحدة وطنية، بل ربما حالة الوحدة الوطنية الوحيدة بين الفلسطينيين، على عكس الحال الفلسطيني خارج قضبان السجون، لذا فإن «مقومات» أن تنطلق الانتفاضة الثالثة من السجون بات أمراً ممكناً، وحقيقياً، وحتى ربما يكون واجباً، خاصة بعد إخفاق انتفاضة السكاكين التي انطلقت قبل نحو عام ونصف العام.
وكما كانت حركة «فتح» أول الرصاص، وأول الحجارة، وكما كان عضو مركزية «فتح» الأخ مروان البرغوثي، عضواً بهيئة أركان الانتفاضة الأولى التي قادها القائد التاريخي خليل الوزير»أبو جهاد»، عام 1987، وعرّاب الانتفاضة الثانية تحت قيادة أبو الفلسطينيين ياسر عرفات عام 2000، حيث دفع حريته ثمناً لقيادته تلك الانتفاضة كان هو مطلق شرارة هذه الانتفاضة التي تلوح في الأفق وليس هناك من هو أجدر منه بقيادتها، وهكذا فإن تقدم الفارس لاستلام الراية، يعتبر أمراً حاسماً في هذا الفصل من الكفاح الوطني، بعد أن خبت جذوته، بسبب ما يحدث داخل فلسطين من انقسام بين الإخوة في أهم حركتين، وما يحدث في الإقليم من حروب أهلية.
ومجرد أن أعلن البرغوثي منذ أسابيع بدء الإضراب اعتباراً منذ السابع عشر من الجاري، والذي يصادف يوم الأسير الفلسطيني، والذي يجيء أيضاً لمجرد المصادفة بعد يوم من ذكرى استشهاد أبو جهاد الوزير، بحيث يكون إعلان الإضراب أفضل فعل يقدم للقائد الوطني العظيم في ذكرى استشهاده، بمجرد أن أعلن البرغوثي موعد الإضراب، حتى بدأت حالة التفاعل داخل السجون وخارجها، وكأن الجميع تواق لانطلاق الكفاح الوطني مجدداً في وجه العدو الإسرائيلي، بعد طول سنين عجاف.
بدأت الفصائل تباعاً تعلن مشاركتها بأسراها في الإضراب، حيث أعلن نحو ربع الأسرى مشاركتهم، ومعروف أنه كلما استمر الإضراب، تصاعدت نسبة المشاركين فيه، وكلما تصاعدت فعاليات التضامن معه. كذلك بدأ الخارج يتفاعل، فأعدّ الفنان العربي عاصي الحلاني أغنية «مغناة الحرية» خصيصاً للمناسبة، كما وجّه الفنان الثوري الكبير مارسيل خليفة كلمة بالمناسبة، وهذا يحدث لأول مرة، حتى وصلت أصداء الإعلان إلى منظمة التعاون الإسلامي، التي دعت إلى تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين في المحافل الدولية.
بقي أن نقول: إنه إضافة إلى ما يبثه إعلان الأسرى الكفاح ضد السجان الاحتلالي الإسرائيلي من حيوية في أوصال الكفاح الوطني، ومن إعادة اعتبار لأولويات الكفاح الفلسطيني وتعديل للبوصلة باتجاه الاحتلال، فإنه عملياً يكشف للعالم بأسره عن الوجه القبيح جداً للاحتلال الإسرائيلي، ويمنح السلطة وكل أطراف القيادة الفلسطينية خارج السجون ورقة إضافية لمقارعة إسرائيل في المحافل الدولية لإظهار أحد جوانب الاحتلال البغيض بمناسبة مرور خمسين عاماً عليه، ولو أن فعاليات الإضراب استمرت مع الفعاليات الشعبية وصولاً إلى الخامس من حزيران القادم، ومروراً بيوم الخامس عشر من أيار، فإنه يمكن القول حينها: إن شعار السلطة «أن يكون العام 2017 عام إنهاء الاحتلال» سيتحول من شعار على الورق إلى فعاليات على الأرض تجعل من تحقيق الشعار _ ولو بعد حين _ أمراً ممكناً.
[email protected]
أضف تعليق