بينما انشغلنا وانشغل العالم كلـّه بالتفجيرات الإرهابية المدانة في مصر، تواصلت في مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين المعارك بين القوى الفلسطينية وجماعات الإرهاب، ونزحت المزيد من العائلات خارج المخيّم. وبينما انشغلنا بتفجيرات مصر، مرّت ذكرى 69 عامًا على مجزرة دير ياسين – إحدى أبشع المجازر الصهيونية عام 1948 – وذكرى 14 عامًا على غزو العراق عام 2003، دون أي صدًى يُذكر.
لقد شخّصنا منذ بداية ظهور تنظيم "داعش" عام 2014 أنّه أداة تخدم الاستعمار والصهيونية لضرب الشعوب العربية وقضاياها، وعلى رأسها قضية فلسطين. وشخّصنا أنّ شعار "الدولة الإسلامية" يخدم شرعنة "الدولة اليهودية"، من خلال تفكيك الشعوب العربية وتحويل المنطقة إلى مسرح لصراعات طائفية وإثنية. وهكذا تضحي قضية فلسطين تفصيلاً هامشيًا على جدول الأعمال الذي تتصدّره عناوين الصراع السنّي-الشيعي وشعارات الحرب على الإرهاب. وهكذا يتم إفراغ المخيمات الفلسطينية ويصبح اللاجئون الفلسطينيون نقطة في بحر اللاجئين السوريين والعراقيين.
ولكن هذه الأداة وجدت أرضية خصبة في الفكر التكفيري المتفشي كالسرطان في الجسد العربي من المحيط إلى الخليج. ووجد هذا الفكر، بدوره، أرضية خصبة في التناقضات الاجتماعية التي يعيشها العالم العربي، من فقر وبطالة وقمع واستبداد، ومن غياب مشروع قومي أو وطني تحرّري يوفّر للإنسان العربي شيئًا من الكرامة والعدالة.
وهناك في بلادنا أيضًا من يبث الفكر الداعشي والمفردات التكفيرية بكل صلف؛ هناك "مشايخ" يرتجون انتصار داعش على الجيوش الوطنية، ويعتبرون الشيعة "أشرار ومارقون"، والمذهب العلوي "كفر وانحراف وخروج عن الملة"، ويستخدمون مصطلحات "الاحتلال النصيري" و"اللؤم النصيري" و"التحالف الصليبي الشيعي". وهناك في بلادنا من "يهتدون" بمفتي الناتو المقيم في قطر يوسف القرضاوي اعتبر أنّ "داعش" يدافع عن "سنّة العراق"، وكتب أن "الوطنية هي بدعة من صنع الدول الاستعمارية، تروّج لها بهدف تفتيت وحدة المسلمين"، وأن "تفضيل الوطن على الدين، وإعطائه الاولوية يجعل من الوطنية كفرًا وعبادة أوثان".
وما زالت هذه القوى تحظى بشرعية، وما زال البعض يهرول إليها ويحتضنها بذريعة "الوحدة الوطنية". إنّ من يسعى جاهدًا لتفكيك الوحدة الوطنية لا يمكنه الانضواء تحت خيمة الوحدة الوطنية. إنّ التقاعس عن مواجهة هذا الفكر سيؤدي بقطاعات كبيرة من شعبنا إلى الانزلاق إلى الفتن الطائفية، وإلى الاحتماء بإسرائيل وأجهزتها الأمنية من بعضنا البعض.
ليست بطولة أن تدين مجزرة هنا ومجرزة هناك. فالمشكلة الحقيقة ليس في الفرد المنفّذ، بل في من جنّده ونظّمه وعبّأه بهذا الفكر الظلامي الدموي. نفس الفكر الذي يبثه البعض عندنا هنا عبر المنابر والصحف ووسائل التواصل.
لقد آن الأوان لقولها واضحة: ليس وطنيًا من يتقاعس عن مواجهة الفكر التكفيري، هنا والآن.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
ان المشكله كما ذكرت وبالتحديد تسييس الدين لدرجة ان الحركات الأصولية تحمل شعارات الدينيه هي نفس الشعارات الدينيه التي ينادي فيها كل المعاهد الدينيه!! فأين تكمن ألمشكله ؟؟ المشكله تكمن بالحاجة الىاعادة صياغة التعاليم الدينيه وبكل ما تعني الكلمه تحويل أغلبية الكتب الدينيه للمتحف والإبقاء على الكتب وإيجاد تفاسير وكتب تثقيف حديثه تتمشى معلا مع مبدأ التعايش مع بقية شعوب العالم وبذلك تقطع الطريق من الحركات التكفيرية العديده بأنها هي التفسير الأفضل والقرب لالله و و و و و نحن نرى صراع البقاء الدموي بينهم جميعا