ذه هي المرة الثانية التي يلتقي بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان اللقاء الأول أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية وخلال زيارة السيسي لنيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حينها وعد ترامب بدعوة السيسي لزيارة واشنطن بشكل رسمي عندما يتم انتخابه، وهذا ما حدث الآن، اللقاء الاول كان مفعماً بالتفاهم بينهما، طي صفحة مرحلة اوباما، تجاهل الحديث عن حقوق الإنسان، والتركيز على مسألتين، الحرب على الإرهاب والملف الفلسطيني - الإسرائيلي، الا ان اللقاء الثاني، والذي جرى في البيت الأبيض بعدما بات ترامب رئيساً، أضاف الى هذين المسألتين عدة قضايا اخرى، الموقف من إيران، تأثير العلاقات المصرية - الروسية على الأوضاع في ليبيا حيث هناك احتمالات اكثر وضوحا باختراقات روسية للساحة الليبية بمساعدة من تحالفات أقامتها مصر مع بعض الأطراف النافذة في ليبيا.
كلمات الغزل الواضحة التي نشرتها وسائل الإعلام المختلفة حول الاستقبال الرسمي للرئيس السيسي، والمبالغة في هذا الاحتفاء، تشير الى تلك الأهمية التي تبنيها ادارة ترامب على دور فاعل لإسناد النفوذ الأميركي المتوقع والتوسع في منطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع في هذا السياق، ان تعاد الحياة الى الملف الفلسطيني - الإسرائيلي بعدما توارى عن سلم الاهتمامات العربية والاقليمية والدولية لصالح ملفات طارئة اكثر اهمية بنتائج ما يسمى بالربيع العربي، على الساحات السورية والليبية واليمنية تحديداً، سيعاد لهذا الملف، كونه سيشكل الاختراق الأهم للسياسة الأميركية في المنطقة، وعلى الرغم من صعوبة التعاطي مع هذا الملف، الا انه يبدو من وجهة نظر أميركية اقل الملفات تعقيدا وتشابكا، اذ ان أطراف هذا الملف اكثر وضوحا وتعاونا مع ادارة ترامب، بينما الملفات الأخرى، كالملف السوري على سبيل المثال، تتداخل فيه عناصر متقاطعة متناقضة وتحالفات غير مستقرة وغامضة، روسيا وتركيا وايران وحزب الله والأكراد وقوى الارهاب على اختلاف مسمياتها، قد تؤثر إدارة ترامب على هذه الملفات، لكنها بالتأكيد لن يشكل اي ملف منها، دورا أميركيا خالصا، على عكس الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي تتلاعب فيه واشنطن وحدها على ضوء ترحيب مختلف اطراف هذا الملف، بالدور الاميركي المنفرد.
والحال هذه، لم تكن من قبيل الصدفة، تلك الدعوات الاولى التي قام بها ترامب بعد اقل من مائة يوم على توليه مفاتيح البيت الابيض، بدعوة اطراف هذا الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، الى واشنطن، نتنياهو، السيسي، عبد الله، محمود عباس، في وقت متقارب تقريبا، ولم تكن هناك اية صدفة، بتلك المصالحة التي جرت مؤخراً بين الرئيسين السيسي وابو مازن في القاهرة بعد فترة من التوترات الحادة بين الجانبين، فيما يبدو وكأن ذلك كان توطئة لاجتماعات القمة في واشنطن والتي بدأت سلسلتها بالفعل.
الا ان دوراً مصرياً مؤثراً في هذا السياق، يتطلب اجندة علاقات اميركية - مصرية مختلفة تماما عن تلك التي إدارتها ادارة اوباما، وهذا يعني مساعدات مالية وعسكرية، تعاونا استخباريا، موقفا أميركياً واضحاً من جماعة الاخوان، وباختصار انقلابا واضحا على سياسة اوباما السابقة، والانتقال السريع من دفء في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، الى علاقات ذات طبيعة استراتيجية لا يخفى على احد من له اليد الطولى في تحديد أهدافها ومساراتها!
لتهيئة الأوضاع لدور عربي فاعل في الاختراق الأميركي للملف الفلسطيني - الإسرائيلي كان يجب على ادارة ترامب اعادة النظر في التصريحات «الخطيرة» التي ألقاها ترامب اثناء حملة الانتخابات على دول الخليج العربي، خاصة السعودية، من هنا كان استقبال الرئيس الأميركي لولي ولي العهد السعودي، حيث تم مسح اثار تلك التصريحات لتعود السعودية الى الحضن الأميركي الجديد، ما يؤهلها كي تساهم في الإعداد لمؤتمر إقليمي او دولي، يعقد في القاهرة او في عمان لمعالجة المسألة التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبحيث تلعب كل من مصر والسعودية والأردن، وربما دول أُخرى، التغطية المطلوبة لإعادة تفسير المبادرة العربية بحيث يسهل هضمها من قبل الجانب الإسرائيلي الشريك الذي لا بد منه لاي تسوية حقيقية على هذا الملف. هذه مجرد افتراضات تجد ترجمة لها على الأرض، لكن هل تنجح هذه المساعي رغم كل التحضيرات والاستعدادات والتفاهمات. الشكوك في هذا السياق كبيرة ولا حدود لها، الوقت فقط كفيل بكشفها!!
[email protected]
أضف تعليق