خضع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للهيمنة الأميركية، ووافق على سحب تقرير لجنة «الأسكوا» الذي يدين سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل، وبذلك حطّم مبدأً أممياً أساسياً، ألا وهو الحفاظ على السلم العالمي وحماية حقوق الإنسان والمساواة.
عنصرية إسرائيل ليست بحاجة إلى تقارير، لأنها أوضح من الحقيقة بعينها، وهي سياسة ليست وليدة فترة زمنية محددة، فهذه العنصرية خلقت من رحم الصهيونية، وتجلى ذلك في بداية القرن الماضي ومحاولات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بشكل كامل؛ لإقامة دولة الاحتلال، لتتلو ذلك النكبة التي تعتبر أبشع أشكال العنصرية.
دعونا نستعرض للأمين العام وقائع العنصرية الإسرائيلية وسياسة الأبرتهايد المنتهجة خلال العقد الأخير فقط.
ولنبدأ أولاً بجدار الفصل العنصري الذي خطط له منذ سنوات طويلة تحت ذرائع أمنية، ولعل أول من تحدث عن «الجدار الحديدي» كان منظر اليمين الإسرائيلي المتطرف جابوتنسكي.
جدار الفصل العنصري يمتد على طول 730 كلم داخل الأراض الفلسطينية المحتلة في العام 1967، ويصادر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة 46% من أراضي الضفة الغربية، ويعزل بشكل كامل 10% من مساحتها وراء هذا الجدار العنصري، بما فيها 28% من أراضي الأغوار الفلسطينية التي تعتبر سلة الغذاء الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يعزل 97 قرية وتجمعاً سكانياً يبلغ عدد القاطنين فيها أكثر من 370 ألف مواطن.
يصادر جدار الفصل العنصري خزانات المياه الجوفية في شمال الضفة ومنطقة الأغوار ويتعمد الاحتلال من خلاله ضم أكثر الأراضي الزراعية خصوبة إليه خاصة في محافظات طولكرم وقلقيلية وسلفيت.
هل هناك أكثر عنصرية من منع المزارع من الوصول إلى أرضه، والطفل أو العجوز من الوصول إلى منزله، إلا بتصريح من الاحتلال، والذي يحدد من خلاله ساعات الدخول والخروج من بوابات لا تختلف كثيراً عن بوابات السجون.
وهنا نتساءل، أيضاً، هل سمع الأمين العام عن أطفال يضطرون للوقوف على بوابات جدار الفصل ساعات طويلة ليتمكنوا من الوصول إلى مدارسهم أو العودة إلى منازلهم. وكم عدد الأطفال الذين تسربوا من المدارس لعدم قدرتهم على التكيف مع إجراءات الاحتلال العنصرية؟
هل يعلم الأمين العام شيئاً عن شوارع الفصل العنصري المخصصة للمستوطنين فقط رغم أنها أقيمت على أراض فلسطينية، ومع ذلك يمنع الفلسطينيون من السير عليها.
هل طلب الأمين العام من أحد مساعديه مثلاً لمحة عن القوانين العنصرية الإسرائيلية التي شرعتها إسرائيل خلال السنوات الماضية وآخرها قانون الإقصاء الذي يستهدف بالأساس النواب العرب أو قانون منع رفع الأذان أو قانون تبييض المستوطنات التي تعتبرها الأمم المتحدة غير شرعية، أو قانون أملاك الغائبين الذي يعتبرالفلسطيني المقيم على أرضه غير موجود وتصادر أملاكه، فهل هناك عنصرية ذكرت تاريخيا تتجاوز هذه العنصرية.
هل تابع الأمين العام عنصرية الاحتلال في القدس والإجراءات التي تطال المقدسيين الفلسطينيين بعينهم، وليس لها أي أثر على اليهود، ومنها سحب الهويات والإقامة من المدينة المقدسة وهدم البيوت.
هل هناك عنصرية أكثر من أن تجبر مواطناً على هدم بيته الصغير بيديه بعد أن بناه ليؤوي عائلته؟ وهل توقف الأمين العام برهة لمعرفة مشاعر الأب الذي يهدم غرفة أطفاله الصغار بيديه؟
هل هناك عنصرية أكثر من تجزئة الشعب الفلسطيني إلى أشتات بين ضفة وغزة وقدس وداخل فلسطيني من العام 1948.
عنصرية الاحتلال لا تحتاج إلى توثيق، فالتاريخ أكبر شاهد عليها.
قد تتمكن الهيمنة الأميركية من ترويع الأمين العام وإجباره على سحب تقرير موثق كهذا، ولكن لن تتمكن الهيمنة من وقف التاريخ والتأريخ.
[email protected]
أضف تعليق