الثامن من آذار هو يوم المرأة العالمي الذي أعلنته الأمم المتحدة لتذكير البشر على هذه الأرض بحقوق نصف سكان هذه المعمورة، وهن النساء .
بين حق مساواة الأجور في العمل والحق بالأمان والسلام ، الحق بالحياة الكرامة والحرية، الحرب ضد الختان وتجارة الأجساد، تناضل النساء في كل أنحاء العالم من اجل قيم مختلفة في بقاع مختلفة من الأرض لأنهن يعانين من القمع والتمييز والاضطهاد بأشكال مختلفة على هذه الأرض.
لقد زرت ودرست مجتمعات كثيرة في أنحاء هذا العالم ووصلت للحقيقة الواضحة ان معظم المجتمعات البسيطة والمحافظة وغير المتطورة اذا صح التعبير، تعاني فيها النساء من دونية أمام الرجال.
لم اجد أبدًا مجتمعًا ناجحا ومتقدمًا علميًا وحضاريًا واقتصاديًّا وهو يضطهد النساء فيه ويقمعهن في نفس الوقت. ليس هناك مخلوق كهذا بين كل الحضارات وهذا أمر مؤكد.
فقد يكون المجتمع غنيا ومتخلفًا ومستهلكًا كما هو الحال في معظم دول الخليج عامةً ولا يعطي المرأة فسحة واسعة من الحريات بحجة المحافظة والتدين.
وهنالك مجتمع فقير ومسيء لمكانة المرأة ويعتبرها اقل مستوى من الرجل بكل شيء ويحرمها من الأساسيات كما في الهند مثلا.
بينما رأينا شعوبًا جميلة في ألمانيا وكندا وفرنسا والسويد واليابان نهضت بنفسها بعد مصائب كبيرة وبينها قاسم مشترك جليِّ للعيان: بالإضافة للإرادة القوية والانتماء للبلاد في جميع هذه المجتمعات يحظى موضوع المساواة بين الجنسين والاهتمام بتمثيل عادل للنساء بأفضلية في جميع المرافق الحكومية والسياسية.
وهنا عادة اسمع الادعاء المدافع أن تقسيم الأدوار الإلهي بين الرجل والمرأة هو فطرة ولا يمكن تغييره، ويليه دومًا الادعاء الآخر أن المجتمعات "المتقدمة"، الغربية تهين المرأة وتستغلها وان نسبة الاعتداءات فيها أعلى من مجتمعاتنا المحافظة "الآمنة" التي تصون المرأة وتكرمها.
أولًا لم يقسم الله او الطبيعة التي سيرها, الأدوار بين الجنسين فيما عدا الإنجاب، وغير ذلك فلا دخل للطبيعة فيه أبدًا.
ولا أرى أي اعتراض أمام نساء عاملات معيلات لأسرهن ويقمن بدور "الرجل" او العكس. فهذه ليست فطرة، هذه بدعة فحسب.
وأثبت الرجل أيضا قدرات هائلة على إدارة البيت، العمل فيه ورعاية الأطفال وغيرها من وظائف أوكلت للنساء كأنها موروث حضاري وثقافي لا خلاف عليه وهي بالحقيقة نتاج تربيه وتنشئة اجتماعية فقط.
أما عن المجتمعات الغربية ومكانة المرأة فيها، فأنا أوافق أن المساواة المطلقة بين الجنسين ما زالت بعيدة عن العديد من المجتمعات، وان الحديث اليوم في معظم الدول تعدى المطالبة بالمساواة بالأجور والتمثيل النساء في الحكم ومواقع اتخاذ القرار، بل نتحدث اليوم عن حرية الاختيار للجنسين فهذه هي النسوية الحقيقية بنظري، فإذا أرادت المرأة او الرجل العناية بالأطفال في البيت مثلا، فيجب على مؤسسات الدولة مراعاة ذلك وإتاحة المجال بدعم من أجهزة الرفاه، الصحة والتعليم.
انا لست ممن يُقدس "الأجانب" وكل ما يفعلون ولكني احترم محاولات الشعوب الأخرى للنهوض بمكانة المرأة بكل الوسائل، القانونية والاقتصادية والسياسية ، فهم يحاربون تاريخ قرون عديدة بعقود قليلة من النضال، ومن الطبيعي أن تستمر العملية سنوات طويلة.
بالمجمل فإن المجهود العام يعود على المجتمعات التي تحاول بجد ولا تتنازل بالخير والإيجابيات أكثر من السلبيات.
أما أن ندفن رؤوسنا بالرمل وان نصر أننا نكرم المرأة ونحترمها بينما تقتل خمسة آلاف امرأة في العالم، ومعظمهن من المجتمعات المحافظة المتدينة التي "تصون" المرأة وتحفظها للأبد ولكن في القبور.
لذا فأنا ارفض أن يناقشني احد عن وضع المرأة "المستغلة" في السويد ما دامت تزوج الطفلات ويتاجر بهن في اليمن.
**ما وضعنا نحن الفلسطينيات في إسرائيل؟
بعيداَ عن مستوى وعيها النسوي الحقيقي، فإن المرأة العربية في عام 2017 تتعلم أكثر، تعمل أكثر، وتنجب اقل، لأنها دخلت صراع البقاء الاقتصادي مع الرجل العربي وليس بسبب نهضة نسوية اجتماعية او طفرة في العمل النسوي.
اعتقد أن الحركة النسوية في الداخل عانت من ركود امتد لعقود من الزمن بعد النكبة والصدمة الاجتماعية والسياسية التي أحدثتها، فيما انتفضت المرأة الفلسطينية في الضفة والقطاع وواصلت النضال الوطني وتطورت من خلاله ومن اجله ولم يكن أمامها خيار آخر.
نحن ما زلنا بعيدات بخطابنا عن نساء تونس والمغرب والجزائر ولبنان ولكننا نجحنا في بلورة المحاور الأساسية لنضال المرأة في الداخل:
من جهة، انخراطنا المطلوب كنساء مناضلات في قضايا المجتمع ككل أمام سياسات الحكومة العنصرية، ومن جهة أخرى قضايانا الداخلية أمام مجتمعنا الذكوري المحافظ الذي لم يتغير كثيرا فما زلنا ننادي بتمثيل النساء السياسي وبحق المرأة في الميراث والنفقة والمساواة بالأجور وتزويج القاصرات وتعدد الزوجات وقتل النساء.
وبما أن حملنا مضاعف فعلى خطابنا يجب أن يكون أقوى بكثير من الخطاب الحالي. فما زال الرجل العربي منفصم الشخصية يريد من زوجته أن تعمل موظفة ولكن لا تشارك بالعمل السياسي، يريدها أن تساهم في إدارة البيت المالية دون مشاركته هو بأعمال المنزل وتربيه الأطفال ، عليها ان تقف معه في المصلحة ولا تسمع أفكارها في تطويرها، أن تستعمل التواصل الاجتماعي ولكن أن تضع صورة الزوج والأطفال في بروفيل الفيسبوك.
هناك العديد من زوايا النفاق والضعف لرجال فلسطينيين فشلوا في الحفاظ على البلاد وما زالوا يمارسون رجولتهم المنخورة في بيوتهم المقفلة وسأسلط الضوء على هذه الزوايا لاحقًا وليس في يومنا الاحتفالي هذا.
أما أحزابنا فقد فشلت في دمج لائق للنساء في صفوفها الأولى رغم أن طروحاتها المعلنة الرنانة والمكتوبة متقدمة عن أفعالها على ارض الواقع.
كل هذه التناقضات على الصعيد الشخصي، والعائلي والسياسي تشكل عبئا كبيرا وحاجزا اكبر أمام النساء العربيات في الداخل.
اعتقد ان كل نضالنا الفلسطيني كأقلية قومية في البلاد لن يتقدم قيد أنملة دون مشاركة حقيقية للمرأة في كل مجال وعلى جميع المستويات.
ولكن رفع سقف المطالبة بحقوقنا ومحاسبة قيادتنا هي مهمة تقع على أكتافنا نحن من النساء ومن معنا من الرجال الحلفاء في هذه المهمة.
حاليا نحن من نعاني من قيادة ترضى بالسقف المنخفض من الحقوق وآن الأوان أن نرفع السقف بسواعد النساء ونرفع معه هامة المجتمع وتنتصب قامتنا.
فعلينا نحن النساء أن نتابع ونعلق ونحاسب على كل صورة بدوننا، كل اجتماع من غيرنا، كل مظاهرة لا نظهر فيها بالصور لأننا نصرخ في الصفوف الأخيرة، كل شعار لا يتحدث إلينا، كل خبر لا يتحدث عنا، علينا التصدي له وبحزم.
لا تقبلي سيدتي الفلسطينية ان تسمعي" مش وقته إسا"، في حالتنا الصعبة هذه ونحن نعيش أياما صعبة من الهجوم والملاحقة العنصرية، صوتنا مهم في كل مكان وزمان، لنجعل معًا كل يوم هو يوم المرأة ،وكل مجال هو مجال لنضال المرأة، حناجرنا ليست عورة ، فهي نفسها الحناجر التي تنادي ضد هدم البيوت، وحق العودة ويوم الأرض وستنادي ضد العنف وقمع النساء بكل إشكاله.
أنا اعتقد ان وسائل التواصل الاجتماعية وارتفاع مستوى التعليم وثقافة المرأة العربية يساهم في بِنَاء حراك نسوي، ويعزز التضامن بين النساء في مختلف المجالات والمناطق. فمثلا في حين كانت احتجاجاتنا ضد قتل النساء قبل أعوام تقتصر على مجموعة محدودة من النساء فاليوم نرى الشابات والشبان والمشاركة الأوسع تدل على تغيير للأفضل.
انا متفائلة رغم كل الصعوبات، فهذا العام الذي نجحنا في "نعم" كجمعية عربية نسوية صغيرة في المركز طرح قضايا قتل النساء على سلم الأولويات وشارك الآلاف في الاحتجاجات في اللد ويافا، وزاد كشف الاعتداءات الجنسية والعنف في صفحات التواصل الاجتماعي. اعتقد ان الخطاب النسوي يتقدم بخطى بطيئة ولكن بالاتجاه الصحيح.
فكل عام وانتن حرائر يا نساء بلدي الجميل وسنواصل معًا نضالنا الطويل.
[email protected]
أضف تعليق