ستبقى الثقافة بتفرعاتها إحدى روافع النضال الوطني الفلسطيني، وإن كان هناك اختلاف في معنى ومضمون ومحتوى ما تعنيه هذه الكلمة، وهذا أمر طبيعي وصحي في ظل اختلاف المدارس الفكرية التي ينتمي إليها الفلسطينيون، ويبقى الأهم أن توظف هذه الاختلافات في خدمة القضية الفلسطينية، وليس أن تكون عاملا من عوامل زيادة التناقضات الداخلية التي نعيشها.
لا يخفى على أحد النجاحات الفردية التي تم تحقيقها في العديد من المجالات دون دعم المؤسسة الرسمية والتي عادة ما كانت تأتي متأخرة، ونحاول بعدها جميعا أن نبحث في هذه النجاحات عن نصر جماعي، دون أن نفكر بالإجابة على سؤال مهم وهو: لماذا نفشل في العمل الجماعي وننجح فرادا؟
هذا السؤال لا أستطيع الإجابة عليه وحدي، فهو بحاجة إلى مراجعات كثيرة تبدأ بالبحث في التغيرات الحاصلة في الساحة الفلسطينية، وحالة الاغتراب والتهميش التي يشعر بها الكثيرون سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وأيضا فشل المؤسسات الحكومية والغير حكومية في إنتاج قصص نجاح لعمل جماعي، ومرد ذلك، بحسب اعتقادي، غياب إرادة الفعل الجماعي والبحث عن الخلاص الفردي، وهذا الأمر غاية في الخطورة، فأفراد الشعب مجتمعين يصنعون نجاحاتهم ويضعون أنفسهم في مصافي الشعوب المتقدمة، وفي الحالة الفلسطينية لا يمكن لنا الوصول إلى حقوقنا المشروعة إلا من خلال العمل الجماعي، فالخلاص الفردي لا ينفع أحدا في هذا الشأن.
ورغم حالة التشرذم والانقسام في الساحة الفلسطينية، إلا أن الشعب الفلسطيني لا زال مفعما بالأمل ومقتنع تماما بأن هذه الحالة لن تدوم، وأن سلسلة النجاحات الفردية، في الفن والثقافة والتعليم والطب وغيرها من المجالات، مهمة في إعادة إنتاج ثقافة العمل الجماعي لخدمة المشروع الوطني، وكان هذا جليا بحجم المتابعة الكبيرة لبرنامج محبوب العرب الذي فاز به الشاب يعقوب شاهين ابن مدينة بيت لحم مهد المسيح عليه السلام.
خفقت قلوبنا عندما وقف على مسرح (أرب أيديل) يعقوب شاهين وأمير دندن وانضم إليهم محمد عساف في صورة تجسد وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، فكل واحد منهم يمثل حكاية بدأت فصولها مع النكبة الفلسطينية، ولكن مفاعيل النكبة لم تُثني هذا الشعب عن الإبداع والنجاح والعطاء والتواصل، وكأن هذه الصورة وهذا الحدث يقول للاحتلال بأنك إلى زوال حتمي طالما فينا تعيش فلسطين، ويسري حبها في عروقنا ويصدح صوتنا باسمها. والمفارقة أن الفن وحدنا في حب هؤلاء الشباب وأخذنا نبحث في ثنايا نجاحاتهم عن نجاح جماعي عله يغطي جزءا من فشلنا الجماعي وبخاصة الفشل لغاية الآن في إنهاء الانقسام وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.
لم يكن رمز النضال الوطني الفلسطيني وشهيدنا الخالد ياسر عرفات بمنأى عن هذا الحدث، فهو كعادته كان حاضرا في عقول وقلوب من حققوا هذه النجاحات، فبرمزية غاية في الوفاء والجمال ذهب يعقوب شاهين إلى ضريح أبو عمار؛ أدى صلاته هناك، وكأنه يقول جئناك حاملين همومنا، ونجاحاتنا علك ترشدنا إلى الطريق لنكمل درب العودة والحرية والاستقلال.
ليس من المقبول وطنيا أو أخلاقيا أن تبقى هذه النجاحات دون مأسسة يشارك فيها الجميع، فالمطلوب هو البحث عن المواهب في مهدها ورعايتها وتطويرها، لأن من شأن ذلك أن يعزز ثقة المواطن الفلسطيني بمؤسساته وأدوارها، ويعيد الاعتبار لمفهوم العمل الجماعي المنتج، وبخاصة في قطاع الثقافة والفن، فهناك العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية التي تُعنى بهذا القطاع ولا شك في أنها بحاجة فقط إلى تفعيل وخلق شراكات حقيقية قائمة على أساس المصلحة العامة وخدمة المشروع الوطني، لأن الثقافة والفن ليس لهما حدود وتأثير إنتاجهم كبير في خلق مجاميع عربية وإقليمية ودولية للتضامن مع حق الشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة.
[email protected]
أضف تعليق