صُلِبتُ وتَسَمّرتُ في مقعدي أمام مشاهد تقشعرّ لها الأبدان، وأخبار يرتجف لها الوجدان، وأعمال يَخزى منها الحيوان (مع تقديري للحيوان)! أمام مشاهد وأخبار وأحداث لا-إنسانيّة صادمة، انعدم فيها الحُنوّ والرّأفة وعُلّق من خلالها الضّمير الإنسانيّ على خشبة!
مجتمع يغفو أفراده على أزيز الرّصاص والفضائح ويصحو على صليل السّكاكين والعار؛ معالِجون ينكّلون بالمسنّين ويسيئون معاملتهم؛ إغفال وإهمال يؤدّيان إلى الموت؛ والدة تحقن طفلها بموادّ كيماويّة ضارّة؛ والد ينكّل بطفله ويعتدي عليه جنسيًّا؛ مريض يستغلّ الأطفال والقُصّر فيراسلهم ليغريهم ويغويهم؛ طلّاب ابتدائيّة "كنسيّة" يمارسون العنف والتّنكيل الكلامي والجسدي داخل المؤسّسة التّعليميّة العريقة؛ مجتمع سقيم عليل يسخر من فتاة يانعة تركض مرتجفةً متأثّرة وراء مطربها المفضّل لالتقاط صورة معه دون أن تخدش الحياء، فيقلّدها أحدهم ويسخر منها؛ و..؛ و..؛ وَويلاه..!
تحوّل مجتمعنا الفوضويّ إلى مجتمع فالتٍ باطل، تمارس فيه مجموعات عدّة عادات نافرة مقزّزة دون مبالاة ومراعاة لأسس ونظم العلاقات الاجتماعيّة، لتسبّب البليّة والأذيّة للآخرين.
لا يُسمح بالسّكوت على تصرّفات وجرائم وحشيّة يقترفها الإنسان بحقّ أخيه الإنسان. تجب مراجعة حساباتنا، فهنالك ضرورة ملحّة لإيقاظ ضمائرنا، بل لإحيائها من جديد ونفخ روح الإنسانيّة فيها. بات أطفالنا وبناتنا وشبابنا وشابّاتنا ومسنّونا يفتقدون الطّمأنينة والأمان، طالما لم تعد لهم مآمِن في دور التّربية والتّعليم والعلاج، في دور الأمان والاطمئنان ذاتها، في المدارس والمعاهد ودور المسنّين!
يحلم كثيرون، ويدعون الله ليل نهار، أن ينعم عليهم بطفلٍ يُملي حياتهم ليملأها ويلوّنها ويسعدها، وفي المقابل يأتينا أبوّة وأمّهات لا رَحَمات في قلوبهم ولا ضمائر في نفوسهم ينكّلون بأطفالهم ويعتدون عليهم.
مَهمّة الآباء والأمّهات، أيّها القرّاء الأعزّة، لا تنتهي بعد المجامعة في السّرير، بل تبدأ من هناك.. على الوالدين أن يكونا مؤهَّليْن ناضجَيْن، يملكان ما يكفي من المحبّة والوعي والكفاءات، للإنجاب والاعتناء والاهتمام والاحتضان والتّنشئة والتّربية والتّعليم، وإلّا فلا معنى لإنجابهما.
كيف يطيب لنا أن نهزأ ونسخر من فتاة تركض وراء مطربها المفضّل لالتقاط صورة تذكاريّة معه، وغالبيّتنا تعبد برنامجًا فنيًّا فتتسمّر كالألواح، نهاية الأسبوع، أمام الشّاشة الفضيّة لمتابعة برنامج معبود العرب - "أراب أيدول"! ولا ننسى أيّها السّاخرون، أنّنا شعب تستسخره وتستصغره وتهزأ من تخلّفه وتقهقره باقي الشّعوب!
نحن لسنا مجتمعًا سويًّا ولن نكون، طالما الأخ يعادي أخاه لسبب الاستحواذ والطّمع، طالما الأب يفضّل ولدًا عن آخر ويفصل بينهم، طالما نفتقد المحبّة والرّأفة فننكّل بأطفالنا ونعتدي على مسنّينا، طالما نملك نفوسًا مريضة تعبة.
بات من العويص القضاء على العنف المتغلغل في مجتمعنا وتغيير أفكارنا وتنقية ضمائرنا وتصفية نفوسنا. متى سنشلح جانبًا لغة السّخرية والوعيد والتّهديد والانتقام والعنف والتّنكيل؟! تحوّلنا إلى مجتمع أوغاد فرديّة، من دون محرّمات ولا ممنوعات. نعمل بشكل فرديّ وعشوائيّ، ضاربين عرض الحائط بمسلّمات التّربية والأخلاق والفكر. الإنسانيّة بمجتمعنا في اندثار، دعونا نعود ونتعامل مع بعضنا بعضًا من منطلق إنسانيّ وأخلاقيّ، فكم نحن بحاجة للعودة إلى إنسانيّتنا!
كلّ منكِّلٍ، مُعتدٍ، قاتل، وغد يجب أن يعاقب بلا هوادة ليكون عبرةً للآخرين.. ومع هذا كلّه، يبقى العقاب وتبقى آلام الجسد أخفّ وطأة من آلام النّفس وعذاب الضّمير، إن وُجد!
[email protected]
أضف تعليق