تتزايد الانباء عن احتمالات حدوث تقارب اردني سوري في المجالات كافة في الايام والاسابيع المقبلة، في ظل الاحباط الرسمي الاردني من توقف المساعدات المالية الخليجية، وتبلور قناعة اقليمية ودولية بضرورة استمرار وجود الرئيس بشار الاسد في السلطة لما بعد الانتحابات الرئاسية عام 2021، وتأكيد مسودة الدستور الروسي المطروح للنقاش على خوضها والبقاء في قمة الحكم لفترتين مدتهما 14 عاما.
العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني عاد للتو من زيارة الى موسكو، ويستعد لشد الرحال للسفر الى واشنطن بعد غد الاثنين في زيارة رسمية، وهناك تقارير غير مؤكدة بعد، تؤشر الى احتمال لقائه مع الرئيس الجديد دونالد ترامب، واذا تم اللقاء فإنه سيكون اول زعيم عربي يدخل البيت الابيض في العهد الجديد.
زيارة واشنطن بعد موسكو ستعطي العاهل الاردني صورة اكثر وضوحا حول مستقبل منطقة الشرق الاوسط وملفاتها الساخنة، والملف السوري خاصة، وربما يكون من الحكمة عدم اصدار اي قرارات متسرعة في هذا الملف، وانتظار عودته من واشنطن للتعرف على مضمون اي قرار اردني في هذا الاتجاه او ذاك.
الوضع الجغرافي للاردن، حيث يقع وسط محيط ملتهب، ودول عظمى اقليمية، يجعله في مرحلة دائمة من القلق المزمن، فهناك الجار العراقي، وخلافاته المذهبية والميليشيات من كل الانواع والاشكال، سنية كانت ام شيعية، وحكومة مركزية ضعيفة، وجماعات ارهابية، وهناك حدود مع سورية تمتد لاكثر من 400 كليومتر شمالا، ونصفها تقريبا من حيث الطول مع دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تتوسع استيطانا، وعدوانا، وتستعد للاحتفال بقرار امريكي بنقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة بشقها الغربي والشرقي.
الامن القومي هو رأسمال الاردن، حكومة وشعبا، واي قرار بالانفتاح اكبر على سورية سيضع هذه المسألة في عين الاعتبار، فقد تعرض الاردن لسلسة من الهجمات الارهابية آخرها في منطقة الكرك، واعلنت “الدولة الاسلامية” التي لها ثأرات مع الاردن وقوفها خلفها، الامر الذي بات يدفعه بالتقارب بشكل واضح مع التحالف الروسي التركي الايراني الذي بات يتحكم بأوراق اللعبة، ويقود حربا مشتركة ضد الارهاب.
لا غرابة، في ظل هذه التحولات في سورية التي تشكل موسكو عمودها الفقري، بل وتجلس خلف مقعد القيادة فيها، ان يعيد الاردن ترتيب اوراقه، وان ينقل الكثير منها الى السلة الروسية، بعد مجيء الرئيس الامريكي الجديد، الذي تؤكد معظم المؤشرات تخليه عن سياسة الادارة السابقة، والتسليم لـ”صديقه” فلاديمير بوتين بالريادة والقيادة في هذا الملف، ونحن نتحدث هنا عن سورية.
بوادر هذا التحول في الملف الاردني، توارد انباء عن وجود وفد امني سوري في العاصمة الاردنية للتنسيق مع نظرائه الاردنيين في المجالات الامنية والعسكرية، وخاصة الموقف في الجنوب السوري، ومنطقة درعا على وجه الخصوص، الذي تتواجد فيها قوات للمعارضة السورية المسلحة بزعامة جبهة “فتح الشام”، النصرة سابقا، حيث بات اشعال هذه الجبهة وشيكا في ظل اتفاق كل الاطراف السورية والروسية والايرانية والتركية على تصفية هذا التنظيم، المصنف على قائمة الارهاب في الجنوب السوري، مثلما تمت تصفية وجوده في حلب، وتزداد الضغوط عليه في ادلب حاليا.
الاردن ابقى على سفارته مفتوحة في دمشق، وكذلك الحال بالنسبة الى خطوط الطيران المباشرة او غير المباشرة، مثلما يزداد نشاط السفارة السورية في عمان، رغم عدم ارسال دمشق سفيرا بعد ابعاد الاردن الدكتور بهجت سليمان، السفير النشيط والمثير للجدل، مما يعني انتقال العلاقات من مرحلة السرية الى العلانية، مع جرعات تعاون متدرجة ومتسارعة في المجالات كافة، وليس الجوانب الامنية التي بدأ التعاون فيها بشكل خجول.
الخيار الاردني، وبعد “عقوق” دول الخليج المالي، وفشل الرهان على المساعدات السعودية تحديدا طوال السنوات الماضية، وانهيار المعارضة السورية الخارجية، او تهميشها لصالح الداخلية المسلحة، وتعزز وجود الرئيس الاسد في قصر المهاجرين لسنوات قادمة، وصمود الجيش السوري، واستعادة مدينة حلب، الخيار الاردني بات واضحا، ولا يحتاج الى عناء التفسير، اي الانفتاح على سورية، وحكومتها الحالية، وهذا لا يعني ان القرار في هذا الصدد اردني بحت، ومن طرف واحد، فلا بد من وجود رغبة، وربما شروط سورية، ومن غير المعتقد انها ستكون صعبة او معقدة ويصعب تذليلها بالتالي.
الحكومة السورية التي جلس وفدها وجها لوجه، وتحت سقف غرفة واحدة مع وفد المعارضة المسلحة في استانة، ربما ستكون اكثر مرونة مع الجار الاردني الجنوبي، اذا مد غضن الزيتون اليها، وتعهد بالتطبيع معها، والتنسيق الكامل امنيا وعسكريا ضد الجماعات المسلحة التي تريد زعزعة استقرارها، اي الحكومة السورية.
“راي اليوم”
[email protected]
أضف تعليق