تداخلت تراخيص البناء، وحق الملكية للأراضي، والسياسة الحكومية في تطبيق القانون – (تداخلت) ببعضها البعض، ثلاث مرات مؤخرا ، في ثلاثة أماكن مختلفة: عامونا ، وقلنسوة ، وأم الحيران .

سأتطرق فيما يلي ، دون توسّع ، إلى النموذجين ، الأول والثاني . ففي " عامونا" بُني أربعون منزلاً بأيدي مستوطنين يهود، دون تراخيص ، وعلى ارض أصحابها هم فلسطينيون يطالبون الان باستعادة ملكيتها . حاولت الحكومة ، و ما زالت تحاول بكافة الوسائل تجنّب هدم هذه المنازل ، أو على الأقل ايجاد حل بديل لمصلحة المستوطنين . أما في قلنسوة ، فبُني (12) منزلاً لمواطنين عرب في إسرائيل – بلا تراخيص ، وعلى أرض بملكيتهم الخاصة . لكن هذه المنازل هدمت بشكل اعتباطي. وفي الحالتين يجري الحديث عن أراض بملكية عربية خاصة.

عندما تُسلب الأرض من قبل اليهود ، تحاول الحكومة ايجاد مخرج حتى لو بدا شبه مستحيل . وعندما يقوم بالبناء مواطنون عرب يحملون الهوية الإسرائيلية ، وتبدو مسألة ايجاد المخرج سهلة وسريعة – فلا نرى مجرد محاولة لايجاد الحل .

وحتى بدون الحديث عن حق العرب بالمساواة في اسرائيل ، وحقهم بالعدالة مقارنة بالمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية – يكفي محاكاة اعتبارات وحسابات اليهود المقيمين داخل اسرائيل – حقهم في الوجود ومخاطر وجودهم – (يكفي هذا) للاستياء حيال حماقات ومظالم الحكومة الإسرائيلية. الحماقة ظاهرة كالشمس في كبد السماء ، حتى لأولئك المؤمنين بالحاجة الى دولتين ، وأيضا لأولئك الذين يريدون دولة واحدة بين النهر والبحر.

اذا ما قامت دولة واحدة غربي نهر الاردن ، فمحكوم عليها أن تصبح في المستقبل المنظور ذات أغلبية عربية ، وبما انه لا سبيل في العالم المعاصر الى وجودها بلا مساواة ديمقراطية بالحقوق – فستتحول في نهاية المطاف الى دولة يسيطر عليها العرب. وعلى الفور ، بعد ضم الضفة الغربية إلى اسرائيل سيتسنى للعرب اقامة اكبر حزب في اسرائيل ، ، بفضل 35% - 40% من أصحاب حق الاقتراع . ويتعين على كل من يؤمن بهذه الوجهة كحلّ – أن يفهم ويدرك أن عدم المساواة التي نتبعها – كأكثرية يهودية الآن – تجاه الأقلية العربية داخل إسرائيل بهدم بيوت مواطنيها ، وتجاه السكان العرب في الضفة الغربية بسلب أراضيهم – كل هذا سيرتدّ إلى نحورنا عندما يصبحون هم الأكثرية ، وبحقّ .

اذا كانت فكرة الدولتين هي الحلَ ، فمن الواضح أنه يتعين علينا أن نفرج علاقاتنا مع عرب الضفة الغربية ، وبموازاة ذلك- أن نتوقف عن ممارسة التمييز ضد مواطنينا العرب وكأنهم طابور خامس للدولة الفلسطينية . أنهم يرغبون في ان يبقوا مواطنين اسرائيليين ، وهم ملزمون وقادرون على ان يكونوا جسراً الى الدولة الجارة – دولة أشقائهم . حذار لنا أن ننبذهم بعمليات الهدم الدراماتيكية التي لا مبرر لها. كان يكفي عُشْر من النقاشات والمداولات التي قامت بها الحكومة في مسعى لحل مشكلة " عامونا" من أجل حلّ مشكلة قلنسوة ، مثلا .

هذان النموذجان المتضادان- عامونا وقلنسوة- يضعان شارة تحذير على القضية الكبرى الماثلة أمامنا. فافتراضاً بأنه ليس بمقدورنا النهوض بدولة ذات أقلية كبيرة دون حقوق كاملة – يتعين علينا ان نختار واحداً من أمرين : اما دولة اسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي ، بروح وثيقة الاستقلال ، حتى لو على مساحة ضيقة لا تشمل الضفة الغربية ، أي دولة اكبر من تلك التي فرحنا بها عند الاعلان عنها عام 1947 ( قرار التقسيم) – وأما دولة تمتد من البحر الى النهر ، نكون فيها أقلية ولا نسطيع أن نشكل ملجأ وملاذاً لكافة يهود العالم ، اذا ما سُحب البساط من تحت اقدامهم في الدول التي يقيمون فيها .

ان الخطر على وجودنا – كدولة للشعب اليهودي – من الدولة الثنائية القومية – اكبر بعشرات الأضعاف من حل الدولتين. ان الخطر الذي يراه معارضو حل الدولتين ، من جهة التهديد الامني – كفيل بأن نقوى على معالجته. أما الخطر الكامن في أكثرية عربية ، تضع حداً لكون إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي – فلن نقوى على معالجته !
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]