تحولت رسالة بسيطة نشرتها محامية متقاعدة من هاواي تدعى تيريزا شوك إلى 40 صديقا لها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» فجأة إلى حركة احتجاج نسائية هائلة في سرعتها وقدرتها على التحرّك والحشد والتنظيم بحيث بلغ المشاركون فيها في العاصمة الأمريكية واشنطن وفي مدن أخرى في أمريكا والعالم حوالى مليونين ونصف المليون متظاهر ساهموا في 600 مسيرة وقام كل واحد منهم بترك بيته ويوم عطلته وشؤون حياته العديدة ليسافر إلى مكان التظاهرات القريبة منه ويكتب مئات الشعارات التي ملأت اليافطات وبرهنت على قدرة كبيرة على المبادرة وعلى حيوية هائلة وقدرة على الإبداع.
تدلّ هذه الحركة على إحساس كبير بالخطر ينتاب الأمريكيين والعالم عموماً، وقد تحوّل هذا بسرعة إلى حالة استنفار قادتها النساء واستطاعت جذب الشباب من موقف الاستنكار إلى الفعل والتخطيط لما بعده، فبحسب إحدى المنظمات فإن الانتخابات الأمريكية أثبتت أن «أي شخص يمكن أن يصبح رئيسا، وبما أن من جاء ليس من أردناه فعلينا أن نغيّر ذلك».
عبّرت اليافطات التي رفعت عن قدرة هائلة على التقاط السخرية والمفارقات الكامنة في انتخاب ترامب، وبسبب هوسه الفظيع بمديح نفسه وانتصاره وشركاته وعائلته فقد تركزت بعض اليافطات المرفوعة على ميلانيا، زوجة الرئيس، فابتكروا هاشتاغ لموقع التواصل «تويتر» بعنوان «أطلقوا سراح ميلانيا»، وتم رفع يافطة تقول لها: «ميلانيا: اغمزي مرتين اذا أردت المساعدة»، باعتبار أن إرادتها معطّلة ومعاقة، فيما توجّه البعض إلى وصف ترامب بالفاشي والمتشاوف والمتغطرس، وبأنه قيصر صغير صنعه بوتين (الرئيس الروسي)، إضافة إلى عشرات من اليافطات التي تحيل إلى قضايا انسانية كربط المقاومة بالخصوبة أو سياسية كقضايا البيئة والأقليات أو صحّية كقانون التأمين الطبي «أوباما كير» الذي ستقوم إدارة ترامب بتفكيكه، وكلها تخلط الغضب بالأمل والتحدّي والتصميم.
السياسات المقبلة في أمريكا ستعتمد على مدى قدرة هذه التظاهرات على الاستمرار وعلى التحوّل إلى حراك سياسي فاعل، كما حصل مع «حزب الشاي» الذي انبثق من اجتماعات نساء بيضاوات من الطبقة الوسطى واستطاع خلال السنوات الماضية جمع أشكال التذمر والغضب ضمن الاتجاهات اليمينية والمحافظة في الطبقة الوسطى البيضاء والفئات المتضررة من العولمة وكان أحد عناصر نجاح ترامب نفسه.
أحد المشاركين في تظاهرة العاصمة الأمريكية من كتاب صحيفة «واشنطن بوست» علق عليها بالقول إن اجتماع هذه الأعداد الهائلة من الناس وبشكل غير مسبوق في التاريخ الأمريكي للاحتجاج على ترامب تدل فعلاً إنه «رئيس فريد من نوعه» وأن هذه الحركة، في جوهرها، هي ضد الشعور الكاذب بالارتياح في وقت ينذر بالخطر.
بعد الخطاب الذي ألقاه ترامب في جلسة القسم والذي قدّم صورة كارثية لأمريكا والعالم، وقام بتحقير كل الرؤساء السابقين الذين حضروا تنصيبه، وأعلن أن «العالم المتحضر» سيزيح «الإرهاب الإسلامي من وجه الأرض»، وامتدح نفسه بكل الأشكال، بدأت نذر «الترامبية» السوداء تتجمع في العالم، وكان أولها اجتماع لأحزاب اليمين المتطرف الأوروبية في المانيا أمس، وامتداح رئيس حركة «5 نجوم» الايطالية حلف ترامب ـ بوتين المرتقب.
ستكون لهذا المخاض العالمي الكبير تأثيراته الهائلة على العالمين العربي والإسلامي والتساؤل سيكون كيف ستتموضع الحركات السياسية العربية وكيف ستستوعب هذه التغيّرات وتضعها في منظور للمشاركة في صنع المستقبل الإنساني العام.
أيها العربيات: أسمعونا أصواتكن.
[email protected]
أضف تعليق