( في نفس اليوم الذي وقعت فيه جريمة أم الحيران- الأربعاء 18/1- نشرت صحيفة " هآرتس" مقالاً كتبته نسرين حداد- الحاج يحيى، مديرة البرنامج الخاص بالعلاقات بين العرب واليهود في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، تحت عنوان " البوست ( المنشور) الشرير لرئيس الحكومة"، تنتقد فيه بشدة ما كتبهُ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على صفحته بالفيسبوك، في أعقاب هدم المنازل في قلنسوة. وارتأينا ترجمة ونشر هذا المقال، مع تغيير العنوان، بحيث يتلاءم مع روح " النبوءة" التي انطوى عليها، توجّسًا وتحسبًا مما هو آتٍ- وقد حصل!)
غسان بصول- مترجم المقال ومحرر في موقع " بُـكرا"
* * *
جملة واحدة، مُرفق بها صورة للجرافات المتجهة إلى قلنسوة، تراءت بغطرسة وإباء على صفحة الفيسبوك الخاصة برئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو- أشغلت في الأسبوع الأخير بال المجتمع العربي بأسْره.
هكذا كتب رئيس الحكومة حولَ هدم (11) منزلاً في قلنسوة: " لا يردعني أي نقد، ووفقًا لتعليماتي، فنحن مستمرون في تطبيق القانون في إسرائيل- بالتساوي والتكافؤ". خلف هذه الجملة يستتر واقع صعب ومعقد، يتطلب حلاً استراتيجيًا واسع نطاق.
استنادًا إلى المعطيات التي نشرها مؤخرًا البروفيسور يوسف جبارين، المحاضر في كلية الهندسة المعمارية وتخطيط المدن في معهد " التخنيون"- فإن نصف مليون نسمة من المواطنين العرب في إسرائيل يسكنون في قرابة مئة ألف منزل بنيت بلا تراخيص. وعلى الرغم من محاولات تنظيم هذه القضية محليًا، وإجراءات التخطيط الأولية وصولاً إلى البناء نحو الأعلى في عدد من البلدات – لم يطرأ تغيير على الوضع، ولا يَتوفر لدى غالبية الشبان العرب المحتاجين إلى مأوى- أي بديل حقيقي. تكاد لا توجد خرائط هيكلية جديدة للبلدات العربية، وفي البلدات اليهودية يمتنعون عن بيع المنازل للعرب، وهي أصلاً تكاد تخلو من المرافق والبُنى التي تتلاءم واحتياجات المجتمع العربي، مثل خدمات التعليم باللغة العربية. وبطبيعة الحال- فكما هي الحال عند اليهود، فالشبان العرب أيضًا يرغبون بالعيش على مقربة من الأهل وفي بيئة معروفة. وشئنا أم أبينا- هذا هو الحال!
وبدلاً من أن تقبل الحكومة باقتراح السُلطات المحلية العربية للحوار والتفاهم بشأن إعداد خطط استراتيجية شاملة لتنظيم علميات بناء- فإنها تفضّل الاستمرار بالهدم.
ويبدو أن التعقيدات والمخاطر الكامنة في الواقع الذي تعيشه البلدات العربية- لم تُثْنِ نتنياهو عن كتابة هذا البوست الشرّير مرفقًا بصور الجرافات، ولم تُثنِهِ عن التباهي والافتخار بالهدم، انطلاقًا من دافع سافر لتصويره على أنه ردّ بالمثل على الهدم المتوقع لمنازل مستوطنة " عامونا".
إن النصّ المثير للسخرية الذي كتبه نتنياهو- لم يثر أصداء لدى المواطنين اليهود، لكنه أدى إلى مساس عميق بمشاعر مئات الآلاف من المواطنين العرب، وجعلني أتساءل: أين غابت الرصانة والمسؤولية التي يتعيّن على السُلطة أن تتحلّى بها. كما أثار لديّ الخوف من المستقبل الآتي، ذلك أن رئيس الحكومة، قد حرص- حتى اليوم، وكُلما وُجّه انتقاد إلى أداء حكومته، إن كان ذلك في فترة الانتخابات، أو إن كان ذلك بعد عملية ديزنغوف، أو أثناء موجة الحرائق الأخيرة- ( حرص) على صرْف اهتمام عامة الناس عن القضايا الحقيقية بواسطة مهاجمة الشريحة الأضعف في الدولة. وما دام الأمر على هذا النحو- فما الذي يمكن توقّعه يا تُرى، إذا ما أسفرت التحقيقات معه عن نتيجة؟
لكن، على الرغم من مشاعر اليأس والاغتراب المتصاعدة- فليس الوقت متأخرًا. فإذا أراد نتنياهو حقًا أن يُحْسن صنعًا مع سائر المواطنين في إسرائيل- يتعيّن عليه أن يعلن عن مشروع واسع النطاق لتنظيم وتوسيع عمليات البناء في البلدات العربية، وأن يعمل على تسوية أوضاع المنازل التي بُنيت دون تراخيص على أرض يملكها أصحابها، وتوسيع الخرائط الهيكلية وملاءمتها للاحتياجات والمتطلبات الحقيقية للمجتمع العربي، وإيجاد حل مناسب لضائقة المواطنين العرب في النقّب. ولا ضيْر في بناء بلدات عربية جديدة وفي إمداد المدن المختلطة بالموارد الكافية لتوفير الخدمات اللازمة لسكانها العرب واليهود.
وأنني لعلى ثقة من أنه في داخل أعماقه، وإذا ما تخلّص وتَحَرّر من الضغوط السياسية، ومن المستشارين الاستراتيجيين الذين يهمسون في أذنه- فإن رئيس الحكومة نفسه يدرك أن تلك هي الخطوة الصحيحة، والأخلاقية.
( انتهى)
[email protected]
أضف تعليق