هيلاريون كابوتشي ... وداعا
منيب رشيد المصري
أطل علينا عام جديد، وفاجأنا بأول أيامه بخسارة، ليست عادية وأقل ما يقال عنها بأنها فادحة للشعب العربيّ عامّة وللفلسطينيين خاصة، فقد رحل هيلاريون كابوتشي هذه القامة الوطنية والدينية، الرجل العروبي الوطنيّ، الذي آمن بكرامة الإنسان وحريته بعد إيمانه بربه وتعاليم دينه السمح. رحل المطران هيلاريون كابوتشي في مدينة روما الإيطالية، بعيدا عن الأرض المقدسة التي أحب وناضل من أجلها وضحى بالكثير.
هذه القامة التي رحلت وروحها معلقة بفلسطين وقدسها وأهلها، تاركة ارثا وطنيا كبيرا، ومواقف مشرفة، ومساهمات كبيرة وعظيمة ومميزة، كيف لا وهو الرجل الذي أثبت للجميع بأن رجل الدين مهما علت رتبته يبقى جنديا منتميا للإنسانية يدافع عن قضاياها، فمنذ تعيينه عام 1965 مطراناً للروم الكاثوليك في مدينة القدس، مارس فيها أدواراً وطنية وشعبية مشهودة، ساهمت في تعزيز روح الوحدة الوطنية الفلسطينية وخدمت التنوع والاختلاف ووحدت المواقف وصهرت التناقضات على أنواعها.
ولعلّ من أبرز المحطات في حياة الراحل كان عمله مع المقاومة الفلسطينية، وقدم لها خدمات طالما أودت بصاحبها إما إلى السجن لدى الاحتلال، أو النفي خارج الوطن وغالبا الاثنتين معا، إلا أنه آثر أن يؤدي واجبه الوطني في توصيل أسلحة للمقاومة الفلسطينية، فكان له شرف الاعتقال وقسوة الإبعاد عن قدسه ووطنه.
وبتدخل من حكومة الفاتيكان تم الإفراج عن الراحل كابوتشي بشرط إبعاده عن أرض الوطن، فكان له بذلك فرصة مواصلة النضال بأشكال عدة، فقد ساهم في حل أزمة الرهائن الأمريكية الإيرانية عام 1979 بعد مفاوضات مكثفة مع الجانبين. وكانت سنواته الأخيرة مشرفة نظراً للحملات التي قام بها لنصرة غزة وفك الحصار عنها، فقد شارك في أسطول الحرية عام 2010، رغم كبر سنه ومشقة السفر وصعوبة هذه المهمة النضالية الإنسانية.
لقد عرفت المطران كابوتشي منذ سبعينيات القرن الماضي، وتشرفت بلقائه للمرة الأولى في إمارة أبو ظبي، وهناك كانت الفرصة لبداية علاقة امتدت حتى وفاته، تعرفت خلالها عن قرب على هذه القامة الوطنية والدينية، هذه الشخصية التي أقل ما يقال عنها بأنها (البطل)، نعم فقد كان الراحل بطلا في كل شيء؛ بإنسانيته العظيمة الصادقة، ووطنية المشرفة، وانتمائه المميز للقضية الفلسطينية، وعنفوانيته في الدفاع عن الحق، ليشكل نموذجا عربيا تتجلى به كل القيم والمعاني التي تجعل منه مثالا ونموذجا نقتدي به.
لقد رحل المطران كابوتشي بعد أن بات رمزاً إنسانيا عربيا وعنواناً تجسدت فيه وحدة الألم والأمل للشعب العربي تاركاً إرثاً عظيماً من النضال لتحقيق آمال وحقوق الشعب العربي الفلسطيني.
رحل المطران، ولكنه ترك لنا وصايا ثمينة، أولها ضرورة الحفاظ على نسيجنا الاجتماعي، ووحدتنا الوطنية، ورفض أي انقسام مهما كانت أسبابه، وكذلك الحفاظ على حقنا بالدفاع عن كافة ثوابتنا وحقوقنا بكافة الوسائل المشروعة حتى بناء دولتنا المستقلة بعاصمتها القدس.
إليك يا فقيدنا وشهيدنا ألف تحية ولترقد روحك بسلام، نبكيك كفلسطينيين، ويبكيك كل من أحب القضية وضحى وما زال يضحي من أجلها، تبكيك المساجد والكنائس، ووفاء لروحك وذكراك نعاهدك أن نستمر ونمضي بمسيرة تحقيق الوحدة وتحرير الوطن عهدا لك ولكل شهيد وأسير وجريح نزف لأجل فلسطين.
[email protected]
أضف تعليق