الأسرى الأمنيين بشر
جدعون ليفي
هآرتس 2016/12/29 ترجمة: أمين خير الدين
لو كانت إسرائيل دولةُ عدل ومساواة، لأُطْلِق سراح وليد دقه من السجن قبل سنوات، لو كانت إسرائيل دولة تحترم التزاماتها الدولية، لأطلق سراحه قبل سنتين، مع الدُفْعَة الرابعة. لو كانت إسرائيل دولة إنسانية، لَسُمِح لوليد دقه بالإجازة وسُمِح له بمحادثات تلفونيّة من داخل السجن، لو كانت إسرائيل تفهم كل هذا – لما كانت تحرّض بهذا الشكل على عضو الكنيست باسل غطاس، لو هرّب غطاس تلفونات لأسرى صهيون أو لأسرى الحركات السريّة في زمانها، لاعتُبِر بطلا قوميّا.
لكن كل هذا لم يحدث. كل هذا لا يمكن أن يحدث في إسرائيل 2016، التي تكره العرب. أمضى و ليد دقه 31 سنه في السجن وفي ظروف لا إنسانيّة، ومع ذلك يتوجه ضابط الكنيست لجهاز الاستخبارات لفحص "مدى خطورة" عضو الكنيست غطاس – منتهى النذالة.
حاول غطاس مواجهة الظلم الواقع على الأسرى الأمنيين. أقدم على ذلك بطريقة غير قانونية على ما يبدو. لو كانت إسرائيل تعاملهم كما يجب، لما أقدم غطاس على خطوته الجريئة، الخطوة الجنونية اليائسة، أيضا إيلانا همرمان وزميلاتها اللواتي يهرِّبن أطفالا فلسطينيين إلى شاطئ البحر، يخالفن القانون، وعملهن اضطراري. ولكن بالنسبة لجهاز التحريض الإسرائيلي –هذا من أجل تنسيق قوى السياسيين (كلهم تقريبا) ووسائل إعلام( تقريبا كلها) – غطاس نقل رسائل مُشَفّرة، لذلك هو إرهابي، والعنصري يولي إدلشتاين، رئيس الكنيست نعته بكل وقاحته ب- "الإرهابي".
حظ دقه يثير الغضب أكثر، أدين سنة 1986 بالاشتراك مع خلية باختطاف وقتل الجندي موشي تمّام، هو أنكر التهمة المنسوبه له. لو كان يهوديا وقتل فلسطينيا، لأطلق سراحه بعد سنوات قليلة، هذا لو قُدِّم للمحكمة. لو كان فلسطينيا من الأرض المحتلة، لأطلق سراحه بصفقة تبادل أسرى. ولو كان قاتلا جنائيا لأمضى 24 – 18 سنة وأطلق سراحه منذ زمن. لكن دقه ليس مخربا يهوديا، ولا فلسطينيا من الأرض المحتلة، ولا قاتلا جنائيا. إنّه أسير أمني عربي إسرائيلي.
ليس هناك مَنْ ظُلم في السجن الإسرائيلي مثله، ومعه 14 أسيرا مسجونين قبل اتفاقية أوسلو. بدون تخفيض ثلث، بلا إجازة، بلا استرحام، بلا تلفون، بلا صفقة، بلا تعاطف. 31 سنة. "لا قرصا للتلفون، لا إطارا داخليا لعجلات السيارة، نحن هنا قبل انهيار جدار برلين، ووقتنا يقف مكانه" هذا ما كتبه دقه قبل 11 سنة. إن وقته قد توقّف منذ زمن بعيد.
في الأسبوع الذي كان سيُطْلق سراحه فيه سنة 2014 كنتُ في بيت عائلتة في باقه الغربيّة: شٌقّوا شارعا تكريما له، كتب التلاميذ على تلة ترابية مقابل بيته "حرية - إفراج" طبعوا على مئات القمصان صورته وصورة أمّه، اشتروا ألاف الشموع والمُفرقعات، والبقلاوى. وإذا بإسرائيل تقرر، إن ذلك لا يلائمها، لا يمكن وصف الصدمة العاطفية. اعتُقل أخوه أسعد بتهمة اشتراكه بعملية التهريب الكبرى. في آخر الأسبوع الماضي اتصل بي اسعد وكان ثائرا من التهم الباطلة، الموجهة لأخيه الذي نُقِل إلى الزنزانة، حسب أقواله،.
دقه وزملاؤه الأسرى الأمنيين بشر. بعضهم مناضلون من أجل الحرية، بعضهم أسرى سياسيين، بعضهم معتقل بلا محاكمة، كلهم عوقبوا بشدة. من الصعب ذكر ذلك في أوج هيصة التحريض ضدّهم.
التقيت مع وليد دقه في السجن مرة واحدة. شاب لطيف، هذا ليس موضوعيا. ايضا عائلته تنتمي للعائلة البشرية. عُمْر أمه فريده 88سنة. تحلم أن تحضن ابنها. وكما يبدو هذا لن يحدث. إنها تقترب من الموت، ولم يسمحوا لوليد ان يودعها تلفونيا، أخوه يكرس حياته يناضل لتحريره. ألا يحق لهؤلاء الأسرى ما يحق لكل مجرم قاتل في إسرائيل؟ هل ما قام به غطاس محاولة لكسر العزل الظالم التي تمارسه إسرائيل على هؤلاء الأسرى، فقط من أجل التعذيب، ألا يحرك لدى الجمهور ولو بعضا من التفهّم؟ بعض من الإنسانية’؟ فقط شيء؟
في الصورة: عائلة وليد دقه. هذا الأسير يكتب كثيرا عن الزمن ومغزاه
[email protected]
أضف تعليق