منذ حصول مصر على عضوية مجلس الأمن الدولي للمرة السادسة في تاريخها لعامي 2016-2017، والجميع في انتظار وترقّب لما ستقدمه الدبلوماسية المصرية لقضايا المنطقة من خلال موقعها استناداً على ما تمثّل من دور إقليمي لعبته مصر منذ انضمامها للمرة الأولى في عام تأسيس المجلس 1946 مروراً بالمرات الأخرى والتي تضمّنت في عام 1984 الدعم الدبلوماسي داخل المجلس للموقف اللبناني أمام العدوان الإسرائيلي وإدانته.
وفي ظل تدهور الأوضاع في المنطقة خاصة مع استمرار الحرب في سوريا والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، فقد كان من المنتظر أن يعود الدور المصري إلى سابق عهده لفتح تلك الملفات وحسم الصراعات بداخلها. وبتقدم مصر بمشروع قرار لمجلس الأمن بشأن وقف الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية، كانت هناك بادرة أمل في تلك العودة المنشودة وسط مزايدات وترقّب من دول الخليج خاصة في وجود سعي مستمر من دول مثل قطر للعب دور محوري في القضية الفلسطينية طبقاً لأجندة سياسيّة مختلفة ومن خلال التقارب مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بقطاع غزة. وفي ظل الخلاف الواقع بين المملكة السعودية والدولة المصرية، ولكن هذا الأمل تبدد بعد الطلب المصري بإرجاء التصويت على القرار بعد توزيع مشروع القرار على الدول الأعضاء الأربعاء الماضي والاستعداد للتصويت عليه في اليوم التالي.
وقد صرّح مصدر في حكومة الاحتلال الإسرائيلي لوكالة رويترز بأنهم كانوا قد تواصلوا مع الفريق الانتقالي لترامب بشأن التدخل لإيقاف سير ذلك المشروع خاصة بعد العلم بنيّة إدارة أوباما بالامتناع عن التصويت وعدم استخدام حق الفيتو ضد القرار. كما ذكر موقع "بي بي سي" أن ترامب كان قد تواصل مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن إرجاء التصويت على ذلك القرار لمنح الفرصة للإدارة الأميركية الجديدة للتعامل وفق رؤيتها للقضية الفلسطينية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تراجع مصر عن تقديم المشروع ورفض أربعة دول أخرى وهي "فنزويلا ونيوزلندا والسنغال وماليزيا" لقرار مصر ومن ثم تقدّموا في اليوم التالي بذات المشروع الذي حصد موافقة كاسحة –وكانت مصر ضمن الدول المصوّتة لصالح القرار- بنسبة 14 دولة موافقة أمام دولة واحدة امتنعت عن التصويت وهي الولايات المتحدة الأميركية.
وهنا لا نرى فقط تراجع للدور الدبلوماسي المصري تجاه القضية المحورية في المنطقة، بل أننا أيضاً نجد تردداً واهتزازاً كبيراً في السياسة المصرية الخارجية والتي تتجلّى في هذا الموقف من خلال عدم وجود معايير واضحة للالتزام بالمواقف الدبلوماسية والسياسية. فقد تقدّمت مصر في بادئ الأمر بالمشروع ثم قررت تأجيل الطرح ثم عادت وصوّتت لصالحه بعد أن تقدّمت به دول أخرى استطاعت إثبات موقفها الأخلاقي والسياسي مما يحدث على الأراضي الفلسطينية في الوقت الذي ترددت فيه الخارجية المصرية وفقاً لما أسماه مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة السفير عمرو أبو العطا بالـ"مزايدات والضغوط".
فقد صرح أبو العطا بعد تصويت مصر لصالح القرار بأن مواقف مصر التاريخية من الحق الفلسطيني ثابتة وواضحة للجميع وأن الدولة المصرية اضطرت لسحب المشروع نتيجة لضغوط ومزايدات. فأن كانت الضغوط والمزايدات –وهي عوامل ثابتة في العمل الدبلوماسي- قد أدت إلى اتخاذ مصر لثلاثة قرارات متناقضة خلال حوالي 48 ساعة على مرأى ومسمع من الجميع، فأين ذهب الثقل الدبلوماسي المصري إذن بينما تتقافز دول أخرى لإثبات الموقف التاريخي من الاستيطان!
وبينما تقوم بعض الدول بتوظيف المواقف الأخلاقية والإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية بالضغط على صانعي القرار، كان الموقف المهتز من الدبلوماسية المصرية تجاه أهم قضية في المنطقة يفتح المجال لمزيد من المزايدة والضغوط على الدولة المصرية من كافة الاتجاهات. فمن جانب استمر الفراغ السياسي في المنطقة ملعباً لقوى أخرى لتقاسم ما كانت تقوم به مصر سابقاً وتوظيفه لصالح مكاسب أخرى بعيدة عن الموقف الأخلاقي والقومي، ومن جانب آخر جاءت مصر كمجرّد مصوّت موافق على القرار بدلاً من كونها صاحب المشروع نفسه، متخلية ضمنياً عن دورها الإقليمي الهام والذي لن يملؤه غيرها حتى وإن تقاسمت دول أخرى ذلك الدور المحوري فيما بينها. فإن غياب مصر سياسياً بهذا الشكل واهتزاز قراراتها الحساسة على هذا النحو لن يأتي بالفائدة إلا على أعدائها من الشرق والغرب ولن يتضرر منه سوى أصحاب القضية الحقيقيين ومن بينهم مصر.
المصدر: الميادين
[email protected]
أضف تعليق