تهدف هذه المقالة إلى المساهمة في إثارة موضوع الأوقاف في فلسطين وسبل العمل على استعادتها وتأتي ضمن سلسلة مقالات تُعنى بكافة جوانب هذه الأوقاف. تتركز هذه المقالة في الوضعية القانونية لهذه الأوقاف في منظور القانون الإسرائيلي ، وتكشف الطرق العبثية التي قامت إسرائيل بموجبها بالسيطرة على هذه الأملاك لتعطي الأدوات للمعنيين بكشف الحقيقة والعمل سواء على المستوى المحلي أو الدولي لاستعادة الأوقاف إلى أصحابها.
الأوقاف نوعان يتعلق كل نوع بالموقوف عليه، الأول خيري والثاني ذرّي أو أهلي، الوقف الخيري فهو ما تم وقفه لينتفع منه عامة الناس، أما الوقف الذُرّي أو الأهلي فهو من كان استحقاق ريعه لأشخاص موصوفين بعينهم سواء كانوا من الأقارب أو الغرباء. الفرق بينهما هو الجهة المستفيدة منه. قبل النكبة والتهجير كانت لجنة الأوقاف العامة برئاسة الحاج أمين الحسيني هي المسؤولة عن إدارة الأوقاف الخيرية العامة بواسطة لجان محلية، بينما أدار الأوقاف الذريّة أو الأهلية متولون تم تعيينهم من قبل المحكمة الشرعية أو من قبل صاحب الوقف، وكانت المحكمة الشرعية صاحبة الصلاحية المطلقة للتداول في جميع الأمور التي تتعلق بالأوقاف.
نحو جزء من ستة عشر من الأراضي والأملاك في فلسطين هي أوقاف وهذا يساوي كل ما استطاع اليهود الاستيلاء عليه منذ بداية الاستيطان وحتى النكبة. بين الأعوام 1947-1949 تم احتلال فلسطين وتهجير الغالبية العظمى من سكانها ومن ضمنهم أعضاء لجنة الأوقاف الإسلامية وعلى رأسهم الحاج أمين الحسيني، وكذلك تم تهجير الغالبية العظمى من المتولّين على الأوقاف الذريّة والمستفيدين منها.
وللاستيلاء والسيطرة على أملاك الفلسطينيين عامة ومن ضمنها أملاك الأوقاف فقد قامت إسرائيل عام 1950 بسنّ قانون " قانون أملاك الغائبين لعام 1950"، الذي حل مكان "أنظمة الطوارئ: أملاك الغائبين " من تاريخ 12/12/1948, بموجب المادة 1 لهذا القانون فقد تم تعريف الغائب على أنه :
“1) الشخص الذي كان – في أي وقت يقع بين يوم 29 تشرين الثاني 1947 واليوم الذي يعلن فيه أن حال الطوارئ التي أعلنها مجلس الدولة المؤقت في 19 أيار 1948 قد ألغيت – كان المالك الشرعي لأية ملكية تقع في منطقة إسرائيل، أو كان منتفعاً بها، أو واضعاً يده عليها إما بنفسه أو بواسطة غيره، وكان في أي وقت خلال تلك الفترة:
(أ) من رعايا لبنان أو مصر أو سوريا أو العربية السعودية أو شرقي الأردن أو العراق أو اليمن ، أو
(ب) في إحدى هذه الدول أو في جزء من فلسطين خارج منطقة إسرائيل، أو
(ج) كان مواطناً فلسطينياً غادر مكان إقامته المعتاد في فلسطين إلى مكان خارج فلسطين من قبل الأول من أيلول 1948، أو إلى أي مكان في فلسطين كانت تسيطر عليه في ذلك الوقت قوات سعت إلى منع إقامة دولة إسرائيل أو حاربتها بعد إقامتها.
2) مجموعة من الأشخاص كانت، في أي وقت من الفترة المحددة في الفقرة 1، المالكة الشرعية لأية ملكية تقع ضمن منطقة إسرائيل، أو منتفعة بها، أو واضعة يدها عليها إما بنفسها أو بواسطة غيرها، وكان جميع أعضائها والشركاء فيها أو مالكي أسهمها أو مديروها من الغائبين حسب المعنى المحدّد في الفقرة 1، أو التي تقع إدارة عملها بشكل آخر تحت يد غائبين من هذا القبيل بشكل واضح، أو التي يكون كل رأسمالها في يد غائبين من هذا القبيل”.
بموجب هذا التعريف فقد اعتبر الحارس على أملاك الغائبين أن أملاك الأوقاف الخيرية العامة جميعها هي أملاك غائبين, باعتبار أن المسؤولين عنها – الحاج أمين الحسيني وأعضاء لجنة الأوقاف العامة- هم غائبين بعد أن تم تهجيرهم من البلاد, وبهذه الطريقة تمت أيضا السيطرة والاستيلاء على الغالبية العظمى من الاوقاف الذريّة ( الأهلية) بعد أن تم تهجير معظم المتولّين الذين أداروا هذه الأوقاف وتهجير غالبية أصحاب الأوقاف والمستفيدين منها. وقد أيّدت المحاكم الإسرائيلية هذا التفسير العبثي واللامعقول، وبهذه الطريقة استولت إسرائيل على الأوقاف من ضمنها المئات من المساجد ودور العبادة والمقامات والمقابر وقبور الصحابة والأولياء الموجودة في فلسطين.
بحسب التفسيرات التي أعطتها محكمة العدل الإسرائيلية لهذا القانون فإنه يكفي أن يكون المتولّي - المسؤول عن إدارة الوقف - أو المستفيد من الوقف أو صاحب الوقف، أن يكون أحدهم فقط غائباً حتى يصبح الوقف كله أملاك غائبين وتنقل ملكيته بالكامل إلى الحارس على أملاك الغائبين من دون الحاجة أن يقوم هذا الحارس بعمل أية خطوة أو تصريح من جانبه. وفي حالات عديدة أوقف صاحب الأملاك أملاكه لأبنائه وتم تعيين متول من قبل المحكمة الشرعية، وأثناء النكبة وما بعدها تم تهجير هذا المتولّي بينما بقي صاحب الوقف والمستفيدون منها عشرات السنين يعملون بها إلا أن ذلك لم يشفعهم حيث قرّرت المحاكم الإسرائيلية أنه يكفي أن المتولّي هو غائب حتى يصبح الوقف أملاك غائبين حتى وإن تم لاحقاً تعيين متولّ غير غائب.
إن تفسيرات المحاكم الإسرائيلية أعفت الحارس عن أملاك الغائبين من القيام بأي عمل أو خطوة أو تصريح لكي تصبح هذه الأملاك أملاك غائبين، وهكذا لخّصت المحكمة الإسرائيلية الوضع القانوني في هذا الشأن في قضية شاكر أبو كشك ضد دولة إسرائيل : "وضعية أملاك الغائبين مستمدة من وضعية أصحابها وغير مشروطة بأية خطوة أو إعلان من طرف الحارس أو الدولة. في اليوم الذي يتحوّل فيه الشخص إلى غائب تتحوّل أملاكه إلى أملاك غائبين.......وضعية الشخص كغائب ووضعية أملاكه كأملاك غائبين ناتجة على الفور من حقيقة مغادرته البلاد وليس كما ادّعى المستأنفون من الإعلان عنه كغائب على يد الحارس......بمعنى, حقيقة كون شخص معين غائب – وحتى المستأنفون لا ينكرون أن أباهم يأتي ضمن ذلك – هي التي تحوّل أملاكه لأملاك غائبين، وغيابه هو الذي يمنح هذه الأملاك للحارس من دون الحاجة إلى خطوات رسمية". نشير هنا إلى أن الغائب حسب التعريف المذكور أعلاه ليس فقط من تم تهجيره خارج حدود البلاد وإنما أيضاً من تم تهجيره من البلدة التي كان يسكن فيها إلى بلدة مجاورة وهم يشكلون نحو ثلث السكان العرب في الداخل الفلسطيني!
ونذكر أنه بموجب هذا القانون العبثي تم الاستيلاء والسيطرة على ملايين الدونمات ومئات الآلاف من البيوت والحوانيت والعقارات من أملاك المهجرين سواء الذين هجروا من البلاد أو الذين هجروا من بلداتهم وبقوا في البلاد في قرى ومدن مجاورة، وبموجب هذا القانون أيضاً تم الاستيلاء لاحقاً على أملاك الفلسطينيين سكان الضفة الغربية الموجودة في القدس بعد ضمها وتوحيدها عام 1967 نشير أيضاً إلى أنه بحسب هذا القانون فإن أملاك المستوطنين - الذين يسكنون في الضفة الغربية - والموجودة داخل إسرائيل بما فيها في القدس هي أيضاً أملاك غائبين لكن السلطات الإسرائيلية تمتنع عن تطبيقه عندما يمس الأمر اليهود.
ولقد أثارت السيطرة والاستيلاء على الأوقاف على أنها أملاك غائبين الكثير من الإشكاليات والمعضلات القانونية والأخلاقية سواء على المستوى المحلي أو الدولي وقد وجدت إسرائيل صعوبة كبيرة في تبرير ذلك.
إن أملاك الأوقاف الإسلامية في فلسطين قد تم الحفاظ عليها منذ مئات السنين، والعديد من الأجانب احتلوا هذه البلاد لكن أحداً منهم لم يتجرأ على المس بها لحساسية الأمر وبقيت هذه الأوقاف محافظة على نفسها وعلى الأهداف التي أوقفت من أجلها. كذلك فقد حافظ المسلمون في فترات حكمهم على أوقاف غير المسلمين ومن ضمنهم اليهود ولم يمسوا بها.
وفي سنوات الخمسينات بدأت تتعالى أصوات من الداخل الفلسطيني تطالب إسرائيل بإعادة الأوقاف إلى أصحابها، انضمت إليها ضغوطات دولية ولم تنجح إسرائيل التي عرضت نفسها على أنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الأقليات بالتصدي لهذه الضغوطات، لكن لم يكن في حسبانها التنازل عن هذا الكنز الكبير ، فإعادة هذه الأوقاف إلى أصحابها تشكل لهم قاعدة اقتصادية كبيرة وقوية تشكل خطراً بمنظورها على الدولة الجديدة. ولطالما حاولت إسرائيل هدم هذه القاعدة الاقتصادية وتقويضها بشتى الطرق والوسائل ولذلك بدأت تبحث عن طريقة تبدو في شكلها الخارجي على إنها تحرير للأوقاف ولكن في جوهرها تبقي الأوقاف الإسلامية تحت سيطرتها، فكان في عام 1965 تعديل رقم 3 لقانون أملاك الغائبين ( تحرير الأوقاف واستخدامها). هذا التعديل نجح في امتصاص الضغوطات رغم أنه كما سنبين لاحقاً مسّ أكثر وأكثر بالأوقاف.
ينص البند الأول من التعديل الثالث على أن الملكية بأملاك الأوقاف قد نقلت إلى الحارس على أملاك الغائبين بأثر رجعي من تاريخ 12/12/1948 – , حتى هذا التعديل فإن الحارس على أملاك الغائبين كان مديراً لهذه الأملاك شأنها شأن باقي أملاك المهجرين. لكن هذا التعديل قد بدل الوضعية القانونية لهذه الأملاك بحيث أصبحت بملكيته الكاملة وليست فقط تحت إدارته. لهذا التعديل أبعاد وتبعات كبيرة فكون هذه الأملاك أملاك مهجرين تلقي على الحارس على أملاك الغائبين- سواء حسب القانون الدولي أو حسب القانون الإسرائيلي نفسه- مسؤولية إدارة هذه الأملاك والحفاظ عليها حتى إيجاد حل لقضية المهجرين، في حين أن نقل هذه الأملاك إلى ملكية الحارس على أملاك الغائبين فإنها تعفيه من هذه المسؤولية وتجعله حر التصرف بهذه الأملاك من دون قيود أو شروط. وللأسف الشديد فإن هذا التطوّر الخطير والمناقض للقانون الدولي لم يلق أي انتباه أو اهتمام، قرار محكمة العدل العليا في ملف رقم 6452/96 ( الحارس على الأملاك الغائبين ضد محكمة الاستئنافات الشرعية ) لم يبق هناك شك في هدف تعديل قانون أملاك الغائبين عام 1965 : " وهكذا أيضاً فإن التمعن في نص المادة 4(ا1)(1) وأيضاً تاريخ تشريع التعديل يشيران بوضوح إلى هدف سن القانون ومنح الحارس على أملاك الغائبين ملكية كاملة على أملاك أوقاف الغائبين سواء أوقفوا لعائلة وسواء هذه الأملاك أوقفت لعامة الناس. فإن من نص المادة 4(ا1)(1) المذكورة أعلاه ومذكرات التفسير لاقتراح التعديل، كما ذكرت أعلاه يبين بوضوح أن المشرع رفض كل إمكانية للتدخل في إدارة الأملاك التي كانت أوقافاً قبل منحها للحارس وأيضاً إمكانية نقلها من أيدي الحارس وأبقى الصلاحية في هذا الموضوع بيد الحارس نفسه. ولذلك فقد تقرر بالقانون إن منح أملاك الأوقاف للحارس هي بأثر رجعي من يوم 12.12.1948 أو من موعد غياب صاحب الملك أو مدير الوقف ( المتولّي) أو المستفيد – حسب الموعد المتأخر. حسب القانون منحت إذن الأوقاف للحارس من دون أي قيود قانونية أو الشروط المنصوص عليها أثناء إنشاء الوقف أو بعد ذلك, وسلّمت له ملكية "نظيفة" على الأملاك. إلغاء كل القيود الاستثناءات والشروط بشكل رجعي تزيل عن الأوقاف خصوصياته كأوقاف وتبطل صلاحية المحكمة الشرعية للتداول في إدارتها الداخلية أو التدخل بها".
إذن فبموجب قرارات المحاكم الإسرائيلية والتعديل من سنة 1965 فقد نقلت ملكية الأوقاف "كاملة ونظيفة" من دون أية شروط أو تقييدات على أملاك الأوقاف إلى الحارس على أملاك الغائبين هذه الوضعية تختلف عن باقي أملاك الغائبين- ومع انتقالها فلقد أزيلت عنها – حسب القانون الإسرائيلي - أية صفة قدسية ولم يعد بذلك صلاحية للمحاكم الشرعية بالتداول حولها. كذلك فقد رفضت اعتبار الحارس على أملاك الغائبين على أنه بمثابة متولّ يدير الأوقاف المسؤول عنها للأهداف التي أوقفت من أجلها فحسب وإنما ملكاً كاملاً. وهكذا لخصت المحاكم الإسرائيلية الوضع القانوني في هذا الشأن في ملف دولة إسرائيل ضد محكمة الاستئناف الشرعية: " في القضية التي أمامنا كما في قضية بولس اعتبرت المحكمة الشرعية الحارس على أملاك الغائبين متولّ على الوقف إلا أن منذ ذلك القرار فقد تم تعديل القانون. مثلما ذكر بشكل صريح في اقتراح القانون, من ضمن ما يهدف تعديل القانون منع النتيجة الممكنة من القرار في قضية بولس، يذكر أنه رغم أن القرار في قضية بولس اعتمد على نص شهادة الغائب التي أصدرها الحارس في نفس الموضوع، فقد بقيت إمكانية تفسير لقانون أملاك الغائبين والتي بموجبها ألحق في الإدارة في يد المتولي هي "أملاك" تنتقل إلى الحارس وليس أملاك الأوقاف نفسها. ولاستبعاد إمكانية مثل هذا التفسير عرف المشرع في التعديل ما هي الأملاك الغائبة المنقولة إلى الحارس. وهكذا تقرر في القانون إن أملاك الأوقاف نفسها نظيفة من شروط الوقف وتقييداته هي أملاك غائبة............... مع غياب شروط الوقف ومميزاته فقد أزيلت عن الوقف المميزات التي بسببها كان وقف وفقد ميزاته الوقفية. في هذه الحال بقي حق الملكية فقط وكلها في يد الحارس. ولم يعد حق في ادعاء المجيبات أنه يجب رؤية الحارس كمتولّ في الأوقاف التي استلمها. وإذا كانت الأملاك ليست وقفاً حسب المادة 52 فليس للمحكمة الشرعية الصلاحية في التداول في الإدارة الداخلية لهذه الأملاك أو لأي امر له علاقة بها"
بموجب البند الثالث للتعديل الثالث فقد عينت الحكومة الإسرائيلية سبع لجان أوقاف إسلامية في كل من : تل أبيب – يافا، عكا، حيفا، اللد، الرملة، الناصرة وشفاعمرو وقد منح هذا التعديل للحارس على أملاك الغائبين الحق بنقل الملكية بالأملاك التي يراها مناسباً إلى هذه اللجان لإدارتها كل في منطقة السلطة المحلية التي يتواجد فيها على أن تكون هذه اللجان ليست فقط معينة من الحكومة الإسرائيلية وإنما خاضعة لها. كذلك منح القانون الحارس على أملاك الغائبين بتحرير أوقاف ذريّة يراها مناسبة إلى المستفيدين منها.
إن دراسة عميقة لمضمون البند الثالث توضح أن الكلام لا يدور عن تحرير الأوقاف الإسلامية وإنما عن شرعنة عملية سرقة وسلب هذه الأملاك. فتعيين لجان أوقاف إسلامية في سبع بلدات فقط يوحي وكأن قضية الأوقاف الإسلامية هي قضية محلية مختصرة على هذه البلدات في حين أن هذه القضية تخص المئات من القرى والمدن الفلسطينية. فبالرغم من أن القانون نفسه يعطي الصلاحية للحكومة بتعيين لجان إضافية في مناطق وبلدات أخرى إلا أنها امتنعت عن ذلك. كما أن نسبة الأوقاف الإسلامية في هذه البلدات السبع لا تعلو عن عشرة بالمئة من مجموع الأوقاف الإسلامية. وكذلك فبالرغم من أن القانون يعطي الحارس على أملاك الغائبين الصلاحية بتحرير أوقاف ذريّة وإعادتها إلى أصحابها إلا أنه لم يقم بذلك إلا في حالات نادرة جداً.
كذلك فإن تعيين هذه اللجان على يد الحكومة الإسرائيلية وليس على يد أصحاب الشأن يمس بمصداقيتها وتجعلها لعبة لتنفيذ سياسات وقرارات ومخططات الحكومة الإسرائيلية بحيث ينظر إليها الناس على أنها مؤسسة عميلة متعاونة وهذا ما حصل في الواقع كما سنوضح لاحقاً. وكذلك فإن إخضاع هذه اللجان للحكومة يعني أن الحكومة عينت نفسها بمثابة " لجنة الأوقاف الإسلامية العامة"من دون استشارة أصحاب الشأن أو إشراكهم في أي بحث أو نقاش حول الموضوع.
إن الأملاك التي ستملكها هذه اللجان المعينة هي ما سيقرره الحارس على أملاك الغائبين بمعنى أن امتلاك هذه اللجان لأملاك معينة ليس لأن لأصحابها الحق بها وليس لأنها أوقاف, وإنما لأن الحارس على أملاك الغائبين قرر ذلك وهذا يتضمن اعترافاً أن هذه الأملاك هي بملكية الحارس على أملاك الغائبين وكل ما تحصل عليه هذه اللجان هو نتيجة لتنازل هذا الحارس عن أملاكه.
وبعد تعديل القانون عام 1965 قامت الحكومة الإسرائيلية بتعيين سبع لجان أوقاف إسلامية في البلدات المذكورة اعلاه ولم تكن المفاجأة كبيرة من هوية الشخصيات المعينة ومدى اخلاصهم وتعاونهم مع الحكومة الإسرائيلية واستعدادهم من دون إي تردد لتنفيذ جميع مخططاتها مما وضعهم في منظار الفلسطينيين في خانة العملاء والمتعاونين ولم يحظوا بأية ثقة تذكر. وبعد تعيين هذه اللجان قام الحارس على أملاك الغائبين بتحرير جزء يسير جداً من أملاك الأوقاف الإسلامية لإدارة هذه اللجان جلها مقابر ومساجد وبعضها حوانيت وبيوت أما الجزء الأكبر والأهم من أملاك الأوقاف الإسلامية في هذه البلدات فقد أبقاها تحت ملكيته وسيطرته.
ولم يكتف الحارس على أملاك الغائبين بنقل ملكية الجزء اليسير من هذه الأملاك إلى اللجان المعينة, بل اشترط تحرير بعض الأملاك ذات الأهمية التاريخية والاقتصادية منها وإعادتها إلى ملكية لجان أمناء الوقف بتوقيع هذه اللجان على اتفاقيات "استئجار", بحيث تقوم بتأجير هذه المباني, بنفس الوقت, إلى الحارس على أملاك الغائبين مباشرة مع تحريرها, مقابل ثمن بخس, على أن تضم هذه الاتفاقيات الحق والصلاحية للحارس بالتصرف بهذه الاملاك كأنه صاحبها, فيحق له هدمها أو البناء عليها أو تأجيرها من دون الرجوع إلى اللجنة "صاحبة الملك" أو اخذ موافقتها. إن هذا الإجراء أو القانون هو إمعان في إذلال الضحية فعليها وبنفسها توافق على هدم وطمس تاريخها وحضارتها وفي ذلك زرع الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم وبتوجيه سهامهم ضد بعضهم البعض وليس ضد المجرم الحقيقي وهذا ما حصل بالفعل في حيفا ويافا وغيرها.
ولما كان تمرير هذه الاتفاقيات بحسب القانون بحاجة إلى تصديق المحكمة الشرعية فقد قامت الحكومة الإسرائيلية بتعيين قضاة شرعيين لا علاقة لهم بالقضاء ولا بالشريعة وقد قاموا بتنفيذ كل ما يطلب منهم، كانت وظيفتهم تنحصر في التصديق على الاتفاقيات التي تهدف إلى شرعنة عملية سرقة وطمس أملاك الأوقاف الإسلامية التي تحوي إرثاً تاريخياً وحضارياً فلسطينياً كبيراً. وقد وصلت بهم إلى حد المصادقة على اتفاقيات تهدف إلى بيع المقابر بهدف إقامة مشاريع سكنية للقادمين الجدد متسلحين بفتاوى أن مقابر وقبور المسلمين ليس لها قدسية خاصة!
إن ملف الأوقاف في الداخل الفلسطيني هو من أهم الملفات وله أبعاد وطنية واقتصادية كبيرة، ما بين 80-90 بالمئة من مساحة عكا القديمة هي أوقاف إسلامية، 70 بالمئة من حوانيت يافا هي أوقاف إسلامية، وكذلك فإن ثلث أرض الرملة هي أوقاف إسلامية، للأسف الشديد فإن هذا الملف لم يحظ حتى اليوم بالاهتمام المناسب ولقد حان الوقت لفتح معركة استعادة الأوقاف على جميع الأصعدة – سواء الشعبية منها أو القانونية وعلى جميع المحافل – سواء المحلية منها أو الدولية.
[email protected]
أضف تعليق