أنشأت صحيفة "رأي اليوم" الألكترونية، التي يرأس تحريرها الأستاذ عبد الباري عطوان، افتتاحية يوم الأحد الماضي (11/12) في أعقاب التفجير الارهابي الدنيء والخسيس، الذي وقع في الكنيسة البطرسية في قلب العاصمة المصرية القاهرة، وأوقع 28 قتيلا وأكثر من 50 جريحا معظمهم من الأطفال والنساء، الذين كانوا داخل الكنيسة يؤدون صلاة الأحد.
واعتبرت الافتتاحية أن هذه الجريمة الجديدة بحق معلم ديني مسيحي وبجمهور المسيحيين، يأتي ضمن مخطط ترحيل المسيحيين العرب في الشرق كما يجري في سوريا والعراق، وأن هذا يبدأ بعمليات ارهابية تدفع بالمسيحيين للهجرة، وقد تحقق جزء من هذا المخطط فعلا، وهو ما زال يضرب وينفذ ... حتى يصل لهدفه.
وفي تحليل أولي حاولت الصحيفة تلمس كيفية نجاح المجرمين في الوصول الى داخل الكنيسة دون اطلاق الأحكام المسبقة، وجاء فيها " لا نتردد في القول بان ادخال قنبلة وزنها 12 كيلوغراما من الديناميت الى قلب الكنيسة التي تحظى بحماية امنية استثنائية، خاصة مع اقتراب أعياد الميلاد المجيدة، لا يمكن ان يتم الا في حالتين: الإهمال المطلق من قبل الحراس، او تواطؤ جهة أمنية عليا، لها امتداداتها داخل فريق الحراسة، وسهلت دخول هذه المتفجرات".
وهذا دفعني الى كتابة تعقيب سريع وقصير على تلك الملاحظة، قلت فيه " تواطؤ جهة أمنية عليا، لها امتداداتها داخل فريق الحراسة، وسهلت دخول هذه المتفجرات. أظن هذا هو الأصوب، خاصة وأنه سبق أن قام أحد الحراس الأمنيين بتسهيل ادخال متفجرات الى طائرة روسية في شرم الشيخ قبل أشهر.. كم من داعشي متغلغل في صفوف قوات الأمن المصرية على أذرعها المختلفة"؟!
من كنيسة القديسين الى الكنيسة البطرسية: هدف واحد
يعيدنا التفجير الأخير في الكنيسة البطرسية في القاهرة، ست سنوات الى الوراء حين تم تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية، وفي الفترة ذاتها عشية الاحتفال بالأعياد المجيدة. حينها ثبت ان أحد أعوان الرئيس المخلوع مبارك، كان متورطا في حادث تفجير الكنيسة وذلك للضغط على بابا الأقباط المرحوم شنودة، ولزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد حتى ينقذ ما يمكن انقاذه من بقايا سلطة مبارك.
اليوم يتغير اللاعب لكن الأداة تبقى الأداة ذاتها، والهدف متشابه لأن الأزمة متشابهة، فعندما كان حكم مبارك في أزمة افتعل التفجير داخل الكنيسة، واليوم بعدما دخلت "داعش" وأخواتها من الحركات الارهابية التكفيرية في أزمة بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، لجأت الى تفجير الكنيسة في القاهرة، وقد اعترفت داعش بمسؤليتها عن التفجير، الذي تم بالتنسيق مع "جماعة الاخوان المسلمين الارهابية"، كما أكد اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق الذي أضاف "وكُلِّف تنظيم داعش بتنبى الحادث للحفاظ على ماء وجه الجماعة فى الغرب"، كما ورد في موقع "اليوم السابع" المصري.
نعم، مخطط تفريغ الشرق من أهله المسيحيين لم يتوقف وحقق بعض الانجازات. رأينا ذلك في العراق ونراه اليوم في سوريا، وهناك مخطط معد لفلسطين وآخر للبنان، أما في مصر فالمخطط يجري تنفيذه منذ سنوات وعهود طويلة تعود الى أيام السادات فمبارك. تختلف المسميات هنا وهناك، أو في هذه الفترة أو تلك، لكن الأدوات هي ذاتها والأسياد هم ذاتهم. تفجيرات للأماكن المقدسة، قتل، حرق، نهب، تشريد وغيرها من الأساليب الشيطانية، وبعضها يتم تحت غطاء تسميات دينية وهتافات دينية، حين يعتبرون المسيحيين من أهل التكفير، وليس من أصحاب الكتاب.
هيبة الدولة الغائبة ومطلب تعديل القوانين
كالعادة جاء رد الكنيسة حكيما ومترويا، رغم قساوة ووحشية الجريمة وحجم الخسارة معنويا وماديا، حيث أكد القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية أن كنيسته لن يهزها الإرهاب، مضيفًا "نحن نفتخر إننا كنيسة الشهداء وهذا هو سر قوتنا".
والحكمة تتجلى في قوله " التفجير ليس المستهدف به الأقباط فقط، بل كل مصري علي أرض الوطن هو هدف للإرهاب لأن التطرف لا دين له".
وهذا هو موقف كل الكنائس في مصر وكل أقطار العرب حيث يتواجد المسيحيون، دائما رأوا أن الوطن هو المستهدف وليس كنيسة أو ديرا، وأن الشعب برمته مقصود وليس المسيحيين لوحدهم والمطلوب تفتيت الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي. موقف الكنيسة نابع من تعاليم الانجيل والسيد المسيح، له المجد. وهذا الموقف الثابت يجب ألا يجعل الدولة أو السلطة تنام بعد كل تفجير. على الدولة فرض هيبتها وتحقيق المواطنة الكاملة وفي مصر بالذات، وأمام ما يظهره الأقباط من ولاء للدولة المصرية، على الدولة – ممثلة في الرئاسة- أن تبادر الى تعديل بعض القوانين والأحكام الدستورية، بحيث تزيل أي غبن يقع على الأقباط وتحولهم الى مواطنين متساوين مع اخوتهم المسلمين، وبذلك تساهم الدولة في تقوية البناء الداخلي للوطن من خلال المواطنين المتساوين وتعمل على حماية ذلك البناء أمام الأخطار التي تهدده.
[email protected]
أضف تعليق