إجراءات وزارة الأمن في "تمزق العائلات" تزداد قَسْوة
جدعون ليفي و اليكس ليبك
هآرتس 2016/11/25 ترجمة: أمين خير الدين
جيهان أبو طعيمه من غزّة، أرملة من زوج إسرائيلي، وأمّ لأربعة أبناء إسرائيليين، ومع ذلك مُحاصرة في غزة منذ عشر سنوات، وعليها أن تتوسّل كلّ مرة لترى أبناءها لبضعة أيام. ومنذ عشر سنوات وجيهان أبو طعيمه مسلوخة عن أربعة أبنائها. تعيش في خان يونس وأبناؤها في النقب، على بُعْد ساعة سفر في السيارة، منذ عشر سنوات تقريبا لم تر أبناءها، عدا أربع زيارات خاطفة في غزة، ولقاءات يوميّة على صفحات المحمول الخاصّ بها، بمحادثات فيديو معهم. يوسف الصغير لم يكن قد أكمل السنة حين انتزعته إسرائيل منها، الآن هو ابن 10 سنوات،يُقدّم لنا الشاي في خيمة جدِّه الشيخ في قرية بيرهداج. قبل أسبوعين التقى يوسف مع أمّه في بيته، بيتها، لأوّل مرّة منذ عشر سنوات، استطاعت أن تصل إلى هنا بعد ن مات زةجها من المرض في مستشفى سوروكا في بئر السبع، وحتى الآن مكوثها هنا غير واضح، بعد محاولات عدّة لجمعية "غيشاه" وافقت السلطات على بقاء الأم مع أبنائها الأيتام. لم يسمحوا لها بالوصول لتشييع جناة أبيهم، ولم يسمحوا لها بالبقاء أيّام الحداد،.
لحكاية: تزوجت جيهان ابنة غزّة من سليمان حباك سنة 1997، وهو مواطن إسرائيلي ، كان العُرْس في قرية والده بير هداج،وهي قرية بدوية في النقب، قريبة من موشابي سديه وربيبيم، انتقلت إلى هنا بعد زواجها، وأنجبت أربعة أبناء هم: ريهام، صابر، إياد ويوسف، كلهم مواطنون إسرائيليّون، وحصلت جيهان على تأشيرة إقامة مؤقتة، أمّا الباقون على تصاريح مكوث تتجدد من حين لآخر.
في أحد الأيام من سنة 2007، عندما كانت في مكتب تسجيل السكان، اكتشفت أن الدولة ترفض تجديد تأشيرتها فاضطرّت للعودة إلى خان يونس، كانت مقتنعة، كزوجها، أن المسألة ستُحلّ خلال أيّام قليلة، كان عُمْر ابنتهم البكر 8 سنوات، أمّا آخر العنقود فلم يكن قد أكمل السنة، لم يفكّر أحد أن العائلة ستُمزّق للأبد.
في سنة 2015 ، ي بعد 8 سنوات من انقطاع الأم، توجّه الأب إلى جمعية "غيشاه" التي تعمل من أجل حرية حركة الفلسطينيين وحرية نقل البضائع من وإلى القطاع، وهناك سمع لأوّل مرّة عن "نظام العائلات المشتتة"، وأن لبيروقراطيّة الاحتلال نظام بهذا الاسم، يمكّن من لم شمل عائلات في غزّة.
حسب النظام يُسْمح للإسرائيليين الذين لهم زوجات وأبناء في غزّة بالدخول للقطاع والمكوث فيه لمدة نصف سنة، وحسب تقدير السلطات أن هذه مدّة كافية لإدارة حياة عائليّة، إلاّ أن هذا النظام الصارم ازداد قسوة في المدّة الأخيرة، رُفِضت طلبات الأب التي قدمها لدخول غزّة، أو أنه أُجيب بعدم الرّد. يوسف الطفل الصغير كان يحضِّر حقيبته كل يوم على أمل أنه سيسافر إلى غزّة، ليلتقي مع أمّه. آخر كل نهار كان يعيد أغراضه التي حضّرها إلى الجارور، يقول عمّه إن جيهان أمضت حياتها في غزّة وهي تبكي وتعاني من أزمات نفسيّة.
بعد نصف سنة من المراسلات المُضْنية التي قامت بها "غيشاه" مع مدير التنسيق والارتباط في غزّة، بما في ذلك التهديد بالتوجه إلى محكمة العدل العُليا، وافقوا على دخول الأب والأبناء إلى غزة والمكوث لمدة أسبوع واحد فقط، وفي اليوم المقرر من شهر شباط وصل الأب والأبناء إلى الحاجز، وهناك اتضح لهم أنه لم تصدر لهم تصاريح عبور كما قالوا لهم. وبعد تدخّل إضافي لموظفي "غيشاه" وبعد ساعات من الانتظار المُمِل حصلوا على التصاريح.
عادوا إلى إسرائيل بعد أسبوع، بعد شهر طلبوا مرة أخرى أن يروا أمّهم، رُفِض طلبهم، ربما لأن لقاء الأمّ بأمّهم مرة في الشهر أمر مبالغ في نظر الجهاز المسؤول، وهو منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلّة.
توجّهت "غيشاه" إلى محكمة العدل العليا في نيابة الدولة، فقُبِل طلب الأبناء والتقوا بأمّهم مرّة ثانية.
في شهر آب هذه السنة أراد الأبناء رؤية أمهم مرّة أخرى – وقُبِل طلبهم دون تدخّل قضائي، وكانت هذه آخر مرّة يلتقي فيها كل أبناء العائلة. مرض الأب سليمان في بداية أكتوبر، وأُدْخِل المستشفى، قدّمت جيهان طلبا لدخول إسرائيل لتعين زوجها المريض والمشرف على الموتـ ولرعاية أبنائها، منسّق عمليات الحكومة في الأراضي المحتلّة لم يكلِّف نفسه بالإجابة، وخلال انتظارها توفي زوجها سليمان عن عمر 55 سنة.
قدّمت جيهان طلبا للاشتراك في تشييع جنازة زوجها – لم تحصل على جواب. بقي الأولاد الذين فقدوا أباهم دون رعاية الأم، ومنسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلة لم يرُد. وَلِمَ العجلة.
في 31 أكتوبر توجّهت "غيشاه" إلى مديرية التنسيق والارتباط في غزة، وفي نفس الليلة دُعيت جيهان "لمحادثة أمنية" في حاجز إيرز، وعندما جاءت في اليوم الثاني انتظرت خمس ساعات لتحقيق استمر نصف ساعة.
أَمْن الدولة. والأولاد في يُتمِهم وحدادهم، والأم في غزّة في حزنها وترملِها – وهل هذا يعني منسق عمليات الحكومة في الأراضي المحتلّة.
في 8 نوفمبر قدّمت "غيشاه" التماسا إلى المحكمة المركزيّة في بئر السبع، ضدّ وزيرالأمن، ووزير الداخليّة، وقائد المنطقة الشماليّة ومنسّق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلّة، بطلب لتنظيم دخول جيهان لإسرائيل، وتقرر يوم 14 من الشهر عقد جلسة لنقاش الموضوع، لكن في– 10 من الشهر اتصل النائب العام في لواء الجنوب بمكاتب "غيشاه" وبشّرهم أن طلب جيهان قد قٌبِل، وحصلت على تصريح مكوث لأربعة أيام، وقد وصلت جيهان إلى بيت أبنائها يوم 0 نوفمبر، ونجحت "غيشاه" بتمديد تصريح المكوث لبضعة أيّام، حتّى يوم الخميس القادم الأول من ديسمبر.
لن يكون احتفال
بير هداج: شمالي نهاية العالم، وجنوبي مدينة التدريبات العسكريّة، قرية بدويّة اعتُرِف بها سنة 2003. لا تزال بدون كهرباء، تشمل منطقة بيت جيهان وأبنائها الخيمة الكبيرة التابعة لسليمان المتوفى، وبجانبه كوخ من الصفيح فيه غرفتان إحداهما للأبناء الأربعة، والأخرى للوالدين حين كانا يجتمعان.
جيهان وحدها الآن في البيت، صهرها علي كثير الشكوك في البداية، لكنه لانَ بسرعة، رافقَنا للالتقاء بجيهان، يعمل حارسا ليليا في إحدى المستوطنات في المنطقة، لا يوجد كرسي في البيت باستثناء حطام كرسيّ مكتبي، جلسنا على إناء، أصفر مقلوب، يُسْتعمل للزيت، وركعت جيهان على المصطبة.
ثمّة برج حمام في الساحة الخالية، غُرِس فيها بعض أغراس نبات الصبار، غرفة الأبناء خالية تماما تقريبا، مصطبة من الباطون، كومة من الفراش، جهازا تلفزيون قديمان، خزانة للملابس نصف مكسورة، خزانة كتب عليها كتب دراسيّة ودفاتر، الأولاد الآن في المدرسة، عدا يوسف، تربوا مع أبيهم وعائلته، أمّهم لم تكن هنا لمدّة عشر سنوات تقريبا، "لم نُحْضِرها من أفغانستان أو إيران، إنها من غزّة. ويضيف: "مَنْ بنى هذه المستوطنات؟ غزّة. عندما أعمل في المستوطنات الجنوبيّة أستطيع أن أرى بيوت خان يونس.
" إذا أخذها نتنياهوا بطائرة هيلوكبتر ورماها في غزّة – يبقى أبناؤها هنا، حتى يكبروا ، وعندئذ يقررون أين يعيشون".
صرح الناطق بلسان منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلّة هذا الأسبوع: إذا رغبت جيهان أبو حبك في البقاء مع أبنائها بشكل دائم في إسرائيل، عليها أن تتوجه إلى وزارة الداخلية. لمديرية تنسيق الارتباط في غزّة صلاحيّة إصدار تصاريح مكوث مؤقتة لسكان القطاع"، "بالنسبة للادعاء إنها لم تر أبناءها منذ سنة 2007" أجابوا " ننوّه أن منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلّة تلقى طلبات بخصوص العائلة في نهاية 2015 ، وقد زارها الأولاد مع زوجها فبل أن يتوفى ثلاث مرات في القطاع، قبل أسبوعين يوم وفاة الزوج، وافقوا على دخولها ومكوثها في إسرائيل، وأيضا مُدّد بقاؤها مرتين بناءا على طلبها".
يوم الخميس قبل أسبوعين سافر صابر برفقة أحد أقاربه لاستقبال أمه عند حاجز إيرز ، يقول علي لن نحتفل، إلا إذا سُمِح لها بالبقاء بشكل دائم، عمرها 35 سنة، بشوشة، ماذا سيحدث لو طُرِدتْ إلى غزّة؟ تردّ تلقائيّا "سأنتحر" وهذا بديهي. هنا أفضل لكِ؟ يشعّ وجهها للحظة. وتجيب: "أنا هنا مع أولادي".
يُسْمَع من شريط الفيديو الذي صُوّر في بيت عائلة جيهان في خان يونس، عند الزيارة الأولى لزوجها في شهر شباط الحوار التالي:
الأب: "أتريد أن تبقى مع أمّكَ أو ترجع معي؟".
يوسف: "أريد أن آخذ أمّي معي".
الأب: "لا. أمّكَ ستبقى هنا".
يوسف: "أريد أن آخذ أمي معي".
الأب: "ماذا ستقول للشرطي أو للقائد الإسرائيلي؟".
يوسف: "سأقول له أريد أمّي معنا".
أحد الأبناء الآخرين: "عندما نصل الجانب الإسرائيلي سأقول أريد أن تبقى أمي معنا، إنها لم تقم بأيّ عمل سيء، وهي لا تشكّل خطرا على الأمن، نريدها أن تبقى معنا".
2016/11/26
[email protected]
أضف تعليق