اقل من عشرة ايام تفصلنا عن احد اعقد العمليات الانتخابية التي شهدتها الولايات المتحدة واكثرها اثارة ومفاجآت، ويبدو انة ثمة نتائج استباقية فعلًا قد افرزتها هذه الانتخابات، قبل تلك التي ستفرزها الصناديق، في الثامن من نوفمبر القادم، سياسية منها واجتماعية.

من الصعب لمن يتواجد هنا في واشنطن ان يلمس "نبض الشارع" الامريكي الحقيقي، وان كان هذا التعبير لا ينطبق على تركيبة المجتمع الامريكي المتعدد الثقافات والذي تحكمه اللامركزية السياسية؛ ولكن بالامكان الاطلاع بتعمق على آراء صناع القرار والمراقبين من صحفيين وأكادميين ودبلوماسين، الذين يملؤون هذه المدينة المُحكمة الترتيب ملتقى الدبلمواسية وعاصمة السياسات الدولية الهادئة والصاخبة في آن.

الغالبية الساحقة من رواد العاصمة السياسية للولايات المتحدة من موظفي الحكومة وموظفي المجتمع المدني لا يخفون عدم انحيازهم بل وامتعاضهم من المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وفي ذات الوقت عن استيائهم من اداء هيلاري كلينتون، الا أن الموضوع الاهم المتداول على السن هذه الطبقة المنخرطة سياسيًا هو اسقاطات العملية الانتخابية وبالتحديد افرازات حملة دونالد ترامب.

ففي حين الاعلام منهمك بالتوقعات واستطلاعات الرأي، والولايات المحتدمة المنافسة بها، اضافة الى تغطية التطورات وفضائح المرشحين (كل في مجاله)، يتحدث وينهمك المراقبين عن النتائج الاجتماعية الحاصلة في المجتمع الامريكي حتى قبل نتائج الصناديق.

لغة واصطلاحات ترامب ضد المسلمين، النساء المهاجرين وكل من هو مختلف، حتى ذوي الاحتياجات الخاصة، باتت لغة مقبولة وغير منتقدة، بمعنى ان استمرار ترامب بنفس نهج ازدراء الآخر المختلف بينما يحظى بتأييد اكثر من ٤٠٪‏ من المجتمع الامريكي الى الآن تشير ان شيئًا ما تضعضع في الذوق العام، الامر الذي سيلقي بظلاله على الحالة المجتمعية، خاصة في مجال العلاقة بين الجنسين وموضوع التحرشات الجنسية واعادة تعريفها من جديد بالمعنى السلبي، بعدما باتت لغة ترامب العلنية منها والمسربة منها من الماضي هي سيدة الموقف، فبالرغم من شبه الاعتذار الذي قدمه ترامب عن التسجيل المسرب في حديث له مع بيلي بوش حول بعض النساء، الا ان تبريره لاقواله المهينة للنساء، عندما قال ان "هذا حديث عادي بين رجال"، قد لاقى قبولًا في اوساط مؤيديه.

وبالرغم من كثرة الحديث حول شخص ترامب والحالة الاعلامية التي احدثها، الا ان هناك من يعتقد ان تأيد ترامب لا يأتي من فراغ، وذلك وفقًا لتحليلات الاوضاع الاجتماعية الاقتصادية للولايات والتجمعات السكانية الكبيرة التي تدعم مرشح الحزب الجمهوري، التي تعاني من العمالة الاجنبية واغلاق مصانع. احد الباحثين يقول ان حملة ترامب اتخذت منحًا جديًا عندما بدأ بالحديث عن المهاجرين ومراكمة الرسائل حرل عدا الموضوع كاستعمال ادعاء اهمية بناء جدار عازل ومعادة المهاجرين. هذه المناطق وجدت في ترامب مرشحًا يحمل قضيتهم فعلًا بعيدًا عن الخطاب الدبلماسي المنمق الذي يتحدث عن موضوع تنظيم دخول المهاجرين للحدود بشكل مجرد. الا ان الموضوع لن يقتصر في المستقبل على معالجة الهجرة غير الشرعية، بعد ان حول ترامب اي مهاجر افتراضي الى عدو للامة، الامر الذي سيكون له تبعات على التعامل مع المهاجرين او حتى انتهاك حقوقهم كبشر.

وليس هذا الجانب الوحيد المتعلق بنتائج الانتخابات الى، فثمة حديث جدي وعلني في اوساط المراقبين عن شرخ مجتمعي سياسي محتمل، يمكن ان تحدثة خسارة ترامب سيقوده قطاع واسع من مؤيدينه الخائبين، ولهذا الشرخ اسباب وترددات سياسية تتمحور حول حديث ترامب عن تزييف الانتخابات وعن تمويل الانتخابات اضافة للجدل هول عدم تعهده بقبول النتائج الامو الذي يتنافى مع العرف الامريكي الانتخابي.

هذه المحاور الثلاثة تشمل محفز لتحريك غضب شعبي ضد المؤسسة وربما الى احتجاجات عارمة قد تصل لاعمال عنف. اما على المستوى السياسي فثمة سؤال حول مستقبل لحزب الجمهوري في حالة فوز او خسارة ترامب الذي يحظى بتأيد واسع في اوساط الجمهوريين بينما يعاديه زعماء مؤسسة الحزب، والتحدي الاكبر هو الحفاظ على وحدة الحزب في حال خسارة ترامب، وعدم هيمنته على التعيينات الرئاسية (اكثر من ٦٠٠٠ منصب) في حال فوزه.

ثمة من يقول انه متوجس من خسارة ترامب اكثر من فوزه ولكن في جميع الاحوال يبدو ان الولايات المتحدة لن تكون هي نفسها بعد الثامن من نوڤمبر، فقبل ان تغلق الصناديق الجدل الرئيسي الان هو اسقاطات ظاهرة ترامب بغض التظر عن النتيجة.

الايام القريبة حاسمة وقد تشهد تحولًا لصالح ترامب بعد تراجعه في الاسبوع الاخير، بسبب رسالة مكتب التحقيقات الفدرالية للكونغريس حول نيته تجديد التحقيق بصدد استعمال كلنتون لرسائل الكترونية مصنفة امنية بشكل خاص.

بقي الاشارة ان الانتخابات محسومة تقريبًا في معظم الولايات وحرب المرشحين هو على الولايات التي بها المنافسة محتدمة، فهناك تجرى الان معظم الحملات والاجتماعات. سنكون في اثنتين منها في الاسبوعين القريبين (فلوريدا ونيو هامبشر) للوقوف على المشهد عن قرب. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]