في شوارع القاهرة وأحيائها المختلفة التي زرتها لا أحد يبتسم، لم أسمع الضحكات التي كنت أستمتع بها قبل 8 سنوات من أفواه الباعة المتجولين أو في المقاهي القديمة. بالتأكيد الأمور بعد الثورة ليس كما قبل الثورة، لكن حتى هذه اللحظة ما زلت أستغرب لماذا الأمور تزداد سوءا وتدهوراً بدل ما أن تتقدم الأمور ولو بشكل بسيط نسبياً، بل على العكس ازدادت الأمور سوءاً بشكل متسارع في العامين الأخيرين، وكما قالها لي بائع عصير قصب السكر في شارع طلعت حرب" يا عم الأُستاز إحنا الزاي حنرجع سعر الجنيه المصري ونخليه زي ما كان قبل سنتين... بس سنتين؟!". دفعت سعر كأس كبيرة جداً من عصير قصب السكر 5 جنيه_ ما يعادل شيكل ونصف_ وابتعدت عنه بهدوء.
على ضفاف نهر النيل، أتذكر سائق "التوك توك" _مصطفى عبده_ الذي ظهر في الفيديو الشهير "خريج توك توك" مع الإعلامي عمرو الليثي الذي تحدث عن أحوال أم الدنيا ولخص واقعها في ثلاث دقائق ببلاغة أستاذ جامعي مما جعل الإعلامي يسأله أنت بتشتغل إيه؟؟
"حرام مصر يتعمل فيها كدا.. مصر كانت مسلفة بريطانيا ثاني أكبر دولة في العالم .. مصر اللي عملت أطول وأول خطة سكة حديد في العالم.. مصر اللي كان الاحتياط النقدي بتاعها أكبر احتياطي نقدي في العالم يحصل فيها كدا؟!" هذا ما عبّر عنه سائق التوك توك ليكشف عن حالة الإحباط والضياع ليس فقط في مصر وإنما في الوطن العربي كله، وأبسط دليل على ذلك هو سرعة انتشار الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي مما جعل الفيديو يحظى بما يقارب سبعة ملايين مشاهدة في غضون أربع وعشرين ساعة.
غالبية البسطاء من الشعب المصري لم يعد يستطيعون التحمل أكثر، وأزمة الثقة تتزايد مثل نار عصفت بهشيم، وإبعاد الشباب عن أي عملية تنموية إصلاحية غير مبرر، وتزايد حالة التيه بين الشعب والحكومات المتوالية التي تغطس في دوامات عديدة أهمها احتكار الأسواق، فالقاهرة تعاني من نقص المواد التموينية الأولى وأهمها الخبز والسكر والرز
الشارع المصري يفكر بصوت عال بأن من وضع مصر وشعبها في هذا الوضع هو بذاته ليس قادرا على إيجاد حلول للمشاكل التي صنعها، وهناك حالة شبه إجماع بأنه يكفي تبريرات الواقع بتحميل الإخوان المسلمين وشماعة الإرهاب المسؤولية فيما وصلت له مصر. أهرب الى مقهى قديم بجانب مكتبة مدبولي الشهيرة، أتصفح صحيفة الأهرام مع كاست شاي صعيدي لأجد عناوين كثيرة تقتلني وكأني من أبناء الفراعنة " ضبط 648 طن أرز وسكر أخفاها التجار" "المالية: 68,5 مليار جنيه عجز الموازنة خلال شهرين... 8,7 مليار جنيه زيادة في المعاشات و 2,5% ارتفاعا بمصروفات الأجور".
في ظل هذا الواقع المعقد، كيف ستنهض مصر من جديد؟ خصوصاً بعد حالة الحصار لأسباب سياسية على المستوى الدولي والإقليمي بعد أن طفت على السطح الخلافات المصرية السعودية. القضية ليست بحاجة الى مؤتمرات ونصرف أموال حتى نشرح الواقع، فالواقع تم تشريحه من قبل سائق التوك توك الذي يعبر عن ملايين المصريين والعرب، من ملاحظاتي السريعة خلال الأيام الماضية بأن على مصر بناء الجبهة الداخلية بكل المستويات والقطاعات والعمل بشكل متزامن للتنمية والاستثمار وخصوصاً حل الملفات الكبيرة في تنمية الاقتصاد والتخلص من العائق البيروقراطي القاتل لعجلة التطور والتنمية.
[email protected]
أضف تعليق