مَن لم يشاهد البرنامج الإخباري في القناة الثانية " أستوديو الجمعة " خسر. فعلى مدى ربع ساعة نجح أحمد الطيبي في ظهور مدهش ومنقطع النظير ، ان يجسّد مع الصحفي المخلص عراد نير ( الذي شارك في الحوار ) الكثير من المشاكل التي تواجهها الصحافة الإسرائيلية، عندما تغطي أي موضوع يتعلق بشكل أو بآخر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كل ذلك بدأ عندما توجه داني كوشمارو ( مقدم البرنامج ) إلى النائب أحمد الطيبي الذي جلس في الاستوديو ، في سياق مصادقة اليونسكو على عدم وجود علاقة بين اليهود وحائط المبكى وجبل الهيكل، وسأله سؤالاً واحداً بسيطاً : " ماذا وُجِد في نفس المكان الذي يتواجد في اليوم جبل الهيكل قبل إقامته ".
الطيبي ، وهو عبقري بالإعلام ، صد السؤال فوراً واستخدم تكتيك " أنا لست مؤرخاً " الذي يستعمله في حالات غير قليلة. ومن هنا انتقل عضو الكنيست الطيبي الى تكتيك " الجميع يتكلمون عن التاريخ، لا أحد يتكلم عن الرواية "، هذا التكتيك، لأولئك الذين أقل معرفة، يقول بما أن التاريخ لا يتلاءم مع الطريقة التي يرى فيها عضو الكنيست الطيبي العالم ، يمكن تغييره أو تجاهله قدر ما نريد. الشيء الوحيد المهم هو ان تقول قبل ذلك الكلمات التالية " بناء على روايتي ".
ولكن لا تُسيئوا فهمي، الطيبي لم يستخدم ولو للحظة تكتيك الدفاع عن النفس، حضر الى الاستوديو مستعداً، كما يفعل دائماً، وانتقل فوراً إلى هجوم مباشر على كل الاستوديو، عراد نير، محرر الأخبار الدولية حاول الدفاع عن الطيبي عندما أعرب عن نقده الغاضب على كوشمارو وقال " ماذا يهم ما كان قبل المسجد الأقصى، المهم ما يوجد هناك الآن " ( تكتيك لطيف كنت مستعداً ان اتماشى معه : الآن توجد مستوطنات، الآن توجد إسرائيل، الآن لا توجد فلسطين ) ولكن الطيبي ليس محتاجاً للحماية، استغل الاستوديو الذي جلس أمامه وبلغة الشعب " هجم وانقض على الجميع ".
هاجم كوشمارو ، امتدح واكّد العلاقة الإسلامية مع الأماكن المقدسة، صدّ كل محاولة بائسة من أحد المشاركين في الحوار بأن يُخرجوا منه أي كلمة عن علاقة اليهود بالأماكن المقدسة، وتبّل كل ذلك بالغطرسة والكبرياء المحفوظة فقط لشخص واثق بأنه السيد الوحيد والحصري لهذه البلاد. سيد البلاد.
وامامه، برؤوس منحنية ومليئين بالعار، جلس عدد كامل من الصحفيين وسمحوا له بأن يثور بدون وعي. روني دانيئيل حاول ان يتمتم كلمة ما ، لكن الطيبي صدّه بقوة هو أيضاً. في حقيقة الأمر، انا لا ألومهم، هكذا بالضبط يتصرف الأشخاص المنشغلون طوال اليوم في ان يشرحوا لنا ولأنفسهم ، لماذا نحن مذنبون، الأشخاص الذين تُعتبر الأماكن المقدسة بالنسبة لهم شأناً للأشخاص الهمجيين والمتطرفين. ونحن نعرف جيداً ما هي الديانة التي يُسمح فيها ان تكون همجياً في هذا الشرق الأوسط، وطبعاً في ذروة المشاهدة.
في دولة يتم بها اعتقال يهود بسبب ومضة غير صحيحة في "جبل الهيكل"، دولة يجد فيها عشرات المحللين الأعذار لأنفسهم وللجمهور بأن السبب الذي أدى الى تفجير باصات ومطاعم هنا مع من فيهم في سنوات الألفين هو أن رئيس حكومة يهودي صعد إلى "جبل الهيكل"، ليس لدينا ما نتأمله من ندوة حوارية يشارك فيها غرباء أمام "سيد البلاد" احمد طيبي.
لكن الطيبي ليس ساذجاً ، لم يكتفِ بالانتصار في نقاش الأماكن المقدسة، ولحظة قبل أن حاول كوشمارو إنهاء الهجوم، سأله الطيبي لماذا لا يتكلم معه عن أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة الذين رفضوا المشاركة في جنازة رئيس الحكومة السابق شمعون بيرس. كوشماور وقع في الفخ. هنا وصل الطيبي مستعداً أكثر فأكثر، بعد ان وبّخ المشاركين في الحوار لوقاحتهم بأن يسألوا أصلاً لماذا لم يشارك النواب العرب، توجّه إلى روني دانيئيل وطلب منه التراجع عن الأقوال التي قالها لأيمن عودة قبل أسبوعين " كونوا أولاً بني بشر " ، او أنه سيذكّر بما قاله روني دانيئيل خلال حملة الرصاص المصبوب بأن الجيش الإسرائيلي يجب أن يُنزل بلطة على غزة. لذلك، وفقاً لادعاء الطيبي، قُتلت عائلة كاملة مع أبنائها، ما سمعتموه صحيح، يجلس مندوب عن جسم معادي ( الطيبي هو مندوب فلسطين، كل علاقة بينه وبين الحكم الإسرائيلي غبية طبعاً ) ويطلب من محلل إسرائيلي أن يعتذر عن انه طالب الجيش بالتصرف بقوة خلال وابل من الصواريخ التي تم إطلاقها باتجاه سكان إسرائيل، من قبل أصدقاء الطيبي في غزة.
دانيئيل التوى في الكرسي ورد عليه مرة أخرى " آن الأوان أن تكونوا بني بشر " ، وكأنما هناك سبب أن تتوقع من شخص يمتدح الشهداء مثل الطيبي بأن يتصرف فجأة ك - " إنسان "، عندما تُقام جنازة. لكن الطيبي لم يبقَ مديناً له ، وبدأ يهاجم دانيئيل بكلمات صعبة وقاسية ، وفقط الخروج للإعلانات التجارية انقذ مُشاهدي البرنامج من العرض المُرعب للمستشار السابق لعرفات.
الطيبي ثار في استوديوهات في الماضي، وأنا أومن أنها ليست المرة الأخيرة، ولكن كان هناك شيء ما في عجز على الأقل خمسة يهود إسرائيليين جلسوا أمامه في الاستوديو بأن يضعوا امامه تحديات بالحقيقة التي يؤمنون بها، وما كان مثالاً جميلاً جداً للارتباك وإثارة الشفقة التي أصابت الإعلام الإسرائيلي.
وإذا سمحتم لي ، سأنهي بنغمة إيلان لوكاتشي ( مراسل الشؤون الثقافية ) كما هو متبع في برنامج " استوديو الجمعة " ، أحمد الطيبي سيستمر في التصرف على أنه " السيد " الحصري لهذه البلاد ، ونحن ؟ نحن سنواصل في حَني رؤوسنا ، وان نحكي كيف قال ذات مرة شيئا ضد المحرقة ، أن نمدح روح الفكاهة لديه، ونعتذر عن مجرد وجودنا.
ملاحظة؛
بيننا ، ماذا يمكن ان نتوقع من تلفزيون يوافق على إخراج شارون غال من المشاركين في الحوار لأن أحمد الطيبي غير مستعد للجلوس معه في نفس الاستوديو. يتضح أن الطيبي ليس فقط " سيد " البلاد، هو أيضاً " سيد " الاستوديو.
[email protected]
أضف تعليق