أخذ البعض على قرار محكمة العدل العليا، باستكمال إجراء انتخابات الهيئات والمجالس المحلية في الضفة الغربية وتعليق إجرائها في قطاع غزة، أخذ هذا البعض على القرار انه ذو طبيعة سياسية وليس قانونية، اي انه قرار معيب وذو عوار، وكأن قرار تكييف الوضع القانوني لاتجاه سياسي واضح، من خلال التوافق قبل بضعة اشهر، على إجراء هذه الانتخابات في عموم مناطق السلطة، ضفة وغزة، لم يكن قرارا سياسيا بامتياز وغير قانوني بامتياز أيضاً، وهل هي المرة الأولى الذي يتم بها التوافق بمنأى عن الدستور «القانون الأساسي» لصالح التعامل مع واقع افرزه الانقسام الذي تطور وتعزز بحيث بات الوضع الفلسطيني يشهد حالة من الانفصال الواقعي. الا انه يؤخذ على محكمة العدل العليا، انها لم تعترض منذ البداية على التكليف السياسي وتجاوز القانون والدستور، ولم تتدخل الا بعد انكشاف العوار في قوائم حركة فتح وفقا لمحاكم قطاع غزة التي تسيطر عليها حركة حماس، عدم تدخل المحكمة في ذلك الوقت ثم تدخلها واتخاذ قرارات بهذا الشأن.

وملاحظة لا بد منها حول قرار محكمة العدل العليا، فحين يشير الى عقد الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، فهذا يعني كل الضفة الغربية بما فيها القدس، لأننا لا نقول «الضفة الغربية والقدس» وكأن القدس ليست من الضفة الغربية، بل نقول الضفة الغربية، وهذا يعني ضمنا وفعلاً، ان القدس جزء من الضفة الغربية، لذلك نقول أحياناً لتأكيد الأمر، الضفة الغربية «بما فيها» القدس. والسؤال هنا، هل اذا ما عقدت الانتخابات البلدية في الضفة الغربية من دون عقدها في إحدى اهم مدنها، وعاصمة الدولة الفلسطينية، تصبح الانتخابات غير قانونية، اذ ان القرار كما هو واضح يشمل كل الضفة الغربية بما فيها القدس.

وفقاً لمحكمة العدل العليا، فإن استثناء إجراء الانتخابات في قطاع غزة يعود الى عدم توفر الضمانات القانونية اللازمة وان محاكم القطاع غير شرعية، فما هي الحال في ظل عدم توفر الظروف الملائمة لعقد الانتخابات في مدينة القدس؟ وهل الانتخابات البلدية التي جرت قبل أربعة أعوام، في الضفة الغربية، من دون القدس، انتخابات قانونية وشرعية، مع أنها لم تجر في عموم الضفة الغربية؟ وهل الصمت على هذا الأمر، يلغي حقيقة انها غير شرعية، من وجهة نظر قانونية؟! أعتقد أن التكييف القانوني - السياسي، من قبل لجنة الانتخابات المركزية، ثم قرار الحكومة بتأجيل الانتخابات أربعة اشهر، هو حل مثالي مؤقت للازمة الانتخابية، فهذا التأجيل يعني استجابتها لقرار المحكمة من ناحية، ويوفر أرضية ومساحة من الوقت للتفاعل من اجل الوصول الى «تكييف سياسي» من شأنه عقد الانتخابات في عموم مناطق السلطة الوطنية، كما يجب ان يسمح هذا الوقت، لكي تجعل القيادة الفلسطينية، تضع مسألة عقد الانتخابات في مدينة القدس، على رأس علاقاتها السياسية مع المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال من أجل إجراء الانتخابات في العاصمة الفلسطينية. على الأقل هذا ما فهمته من تبرير الحكومة لتأجيل الانتخابات أربعة اشهر، إذ أشار بيانها:

«إيماناً بوحدة الأرض والشعب» تم اتخاذ هذا القرار، والتفسير الوحيد، ان وحدة الأرض والشعب، لا تستثني لا قطاع غزة ولا العاصمة الفلسطينية الا اذا كان هناك تفسير آخر لهذا القول!! إن إجراء الانتخابات البلدية قبل اربع سنوات، دون قطاع غزة والقدس لا يعني ان الأمر كان صحيحا من كافة النواحي القانونية والسياسية، لذلك لا يجب وبالمطلق اعتبار ما جرى سابقة يمكن أن تتكرر كما يروج البعض، ولا يجب اعتبار السوابق الخاطئة، مجالا لتبرير المزيد من الخطأ، إذ أن الأمر يتطلب التوصل الى توافقات من شأنها إيجاد البيئة الصحية اللازمة لتأكيد إشارة الحكومة «إيمانا بوحدة الأرض والشعب» والا فإن هذا الشعار، يصبح مجرداً من اي معنى. أما القول، بأن هناك رابطاً بين هذه الانتخابات وبين تعزيز الانقسام أو إنهائه، فأعتقد أن هذا مجرد زعم ووهم، إذ إنني اعتقد، أن الانقسام الذي بات فصلاً واقعياً بين الضفة وغزة، لا يمكن وضع حد له في ظل الظروف الفلسطينية والإقليمية الحالية، وعقد الانتخابات البلدية لن يقدم أو يؤخر في هذا السياق، ليس هناك من إمكانية لإنهاء الانقسام، ولن يوفر عقد الانتخابات المحلية فرصة لانتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني، كما يرغب البعض ويزعم البعض الآخر، فالأمر منفصل تماماً ولا رابط بينهما، بكل أسف!! - 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]