رحل شمعون بيريس، بطل إسرائيل القومي، والأب الروحي للمشروع النووي الإسرائيلي، والدينمو في جلب السلاح إلى إسرائيل في بداية خمسينيات القرن الماضي.. وأول من شارك في البناء الاستيطاني ودعمه بقوة، هذا هو بيريس "الصقر". يحق للإسرائيليين أن يصفوه بالبطل لأنه قدم لهم أكثر مما يتوقعون... بل هو، أيضاً، مَن ساهم في أن تظل إسرائيل بعيدةً عن العقوبات الدولية بصفته حاميَ مشروع السلام. ولكن يحق لنا كفلسطينيين، أيضاً، أن نعرف بيريس من زاوية سياساته على الأرض التي دفع الشعبُ الفلسطيني ثمنها دماً وتراباً مقدّساً، وبالتالي هو جزء من سياسة الاحتلال... من سياسة القتل والتهجير، وبناء نظام فصل عنصري لم يكن له مثيلٌ في العالم حتى في جنوب إفريقيا.
ولهذا كان الموقف الشعبي الفلسطيني من بيريس كشخص واضح تماماً لا لُبس فيه... أنه جزءٌ من سياسة الاحتلال على مرّ العقود الماضية. في كلمات التأبين دائماً تتم المبالغة في وصف المتوفى... ولكن من المزعج أن تكون المبالغةُ إلى حد المقارنة بمناضلين أمميين، حملوا رايةَ الحرية والسلام الحقيقي والتخلص من الاستعمار والاضطهاد والعنصرية. الرئيس الأميركي باراك اوباما وصف بيريس بأنه من عمالقة القرن العشرين مثل نلسون مانديلا. إنها مقارنة ليست في مكانها ولا تعبّر عن حقيقة الرجلين. مانديلا دفع نصف حياته في سجون الأبرتهايد في جنوب إفريقيا مدافعاً عن الحرية والمساواة الحقيقية، وتمكّن من إسقاط نظام "الأبرتهايد" في بلده.
شمعون بيريس الذي كان رئيساً لوزراء إسرائيل، وقبل ذلك وزيراً للدفاع ووزيراً للخارجية، في ظل سلطاته وحتى تولّيه رئاسةَ الدولة تفاقمَ نظامُ الفصل العنصري تجاه الشعب الفلسطيني، بل إن كثيراً من المطلعين على الأوضاع يصفون ما يحصل في الأراضي الفلسطينية من قبل الاحتلال بأنه أسوأ من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. من جهة ثانية، نلسون مانديلا لم يشارك في قتل مدنيين، أو قصف تجمعات سكنية، أما بيريس فما زالت دماء ضحايا مجزرة قانا اللبنانية تلاحقه... وما زالت أرواحُ كثير من الفلسطينيين الذين قتلوا في عهد تسلمه رئاسةَ الحكومة أو وزارة الدفاع، نقاطاً سوداء في سيرته الشخصية. وبالتالي فإن أي مقارنة هي ظلم فادح لنلسون مانديلا الذي حمل لواء الحرية والسلام والمساواة لشعوب العالم وحارب الظلم والاحتلال والعنصرية.
حتى بالنسبة إلى السلام... ماذا فعل بيريس من أجل إحلال السلام العادل والدائم... كان كثيرَ الحديث نعم... كان يُكثر الكلام المعسول واللطيف نعم... ولكن أين الأفعال؟... حتى أن اتفاق أوسلو الذي كان مشاركاً في إنجازه أصبح ما تبقى منه في مهبّ الرّيح لأنه لم يجلب سلاماً حقيقياً. أي سلام وأكثر من 80% من أراضي فلسطين التاريخية تحت سيطرة إسرائيلية كاملة عسكرية واقتصادية؟ كنا نسمع عن خطاب خارجي لبيريس ولكن لم نكن كفلسطينيين نحسّ بأي أثر واقعي على الأرض لتوجهات بيريس سوى مزيد من مصادرة الأراضي وإقامة جدران الفصل العنصري، وسياسة التهجير والاقتلاع. مانديلا صديق الشعب الفلسطيني... تمثالُه ينتصب شامخاً في رام الله، نُحبّه لأنه مدافع عن المضطهدين والشعوب التي عانت من الاحتلال بكافة أشكاله، ولكن في نفس الوقت نشكّ أن غالبية الشعب الفلسطيني الساحقة ستذكُر بيريس بأنه قدَّم للفلسطينيين شيئاً من السلام. -
[email protected]
أضف تعليق