افتتح مقالتي بجملة ترنّ في ذهني دائما وهي " الوضع الذي وصلنا اليه محزن جداً".
اقول ذلك، عملاً بالاحداث التي شهدناها ولا زلنا نشهدها مؤخرا، هل باتت روح الانسان لهذه الدرجة "رخيصة"؟
بأي ذنب يتم قتل امرأة امام اعين بناتها بكلّ برودة، اين الخجل؟ اين الحياء؟ هل بات الانسان يرحل لدار الآخرة بشربة مي؟
رَبَّما ستكون افكاري في هذه المقالة غير مرتّبة، لانه وبالفعل، الانسان من جلّ هذه الأحداث يحبط إحباطا شديداً.
قبيل فترة، اقدم شاب على قتل والدته اثناء تواجدها في بيت شقيقها، وقتلها بِحُجَّة "شرف العائلة"، وفي كفر كنّا كانت هناك حادثة قتل اودت بحياة شاب لم يفرح بنجله كما يجب الذي جاء على هذه الدنيا قبل 20 يوم من وفاة والده فقط!
في اللد، تقتل امراة بدمٍ بارد وأعصاب باردة امام اعين بناتها، وفي ام الفحم نزاعات عائلية لا تعدّ ولا تحصى.
انا لا أتحدَّث عن جرائم القتل فقط، فوسطنا العربي يشهد يومياً عشرات الجرائم تلك التي فيها يتم استعمال الأسلحة الثقيلة وبالتالي تصيب العشرات بجراح متفاوتة.
لماذا وصلنا الى هذه المرحلة؟ ما هي الأسباب؟ هل الكبت الذي نعاني منه أدّى الى وصولنا الى هنا؟
نعم، أوافق على ان الكبت الذي نعاني منه هو من أدّى بِنَا الى هذه المرحلة، فمنذ نعومة أظافرنا يتم تربيتنا على أفكار ذكوريّة بحتة، وبهذا مجتمعنا ينشأ على ان الرجل أقوى من المرأة وعلى ان المرأة لا يمكنها القيام بأي شيئ.
ما الذي ينقص المرأة كيّ تكون مثل الرجل، هنا لا ادعو المرأة للتحررّ، لكن الأفكار النمطية الذكورية هي من جعلتنا نصل الى ما نحن عليه اليوم.
حتّى المرأة فهي في تفكيرها ذكوريّة، في مفاهيمها وفي تربيتها فهي عندما تقول لابنتها " سأرفع امرِكِ لشقيقك وهو سيتولّى امرك"، لماذا ليست المرأة التي تتولّى شأن ابنتها؟ ما ينقصها؟
هذا من ناحية المجتمع والأفكار التي نشأنا عليها، فأؤكد على ذلك ان قتل النساء بشكل خاص وآفة العنف عامة، هي بسبب التربية في البيوت منذ الصغر.
في البيت لا يستطيع الانسان مناقشة اي امر مع ذويّه بذريعة " حرام"، وبالتالي عند خروجه للشارع يفجّر الكبت الذي بداخله.
ومن الكبت الذي بداخلنا، يتولّد العنف ومفهوم العنف، ومن كثر الاعصاب التي نعاني منها فنقوم بتفريغها ونحن لا نشعر بذلك، في من يتواجدون بالشارع وأحيانا نشهر السلاح بوجههم لمجرّد نقاش الذي من المفترض ان نمرّ عنه مرور الكرام.
نتلفّظ الشتائم دائما، بتنا نفتقر الى اخلاقنا، فبالماضي البعيد كنّا نتعطّر بأخلاقنا ونادرا ما كنّا نسمع عن حادثة قتل! اليوم نسمع باليوم عن 5 حوادث اطلاق نار.
من المسؤول عن تردّي الأوضاع؟ نحن ؟ الشرطة الاسرائيلية؟
سيقول البعض، ان الشرطة الاسرائيلية بامكانها مصادرة السلاح وبالتالي الحدّ من جرائم القتل وكبح جمال ظاهرة العنف!
ربّما نسي البعض اننا لا نعيش في دولتنا، من المفروض ان يقوم جهاز الشرطة بحمايتنا، لكن بوضعنا الحالي فهو لا يحمينا ولا يخدمنا، بمعنى ان الشرطة هنا ليست لخدمتنا على خلاف المجتمعات الاخرى التي تعمل فيها الشرطة من باب" نحن في خدمة الشعب".
الشرطة الاسرائيلية تعلم جيّدا اين قطع السلاح، وتعلم جيّدا من يطلق النار وتعلم كذلك الأشخاص الذين لهم باع طويل في عالم الاجرام السفلي، اذن من المسؤول هنا الان؟
لو كنّا في دولتنا، اقول ان الشرطة مسؤولة صحيح، لكن لماذا لا نلقي اللوم على أنفسنا؟ لماذا لا نقول اننا نحن من سبّبنا تفاقم الأوضاع؟
الخلق الضيّق، الاعصاب الكثيرة، عدم اتخاذ الأديان كنهج حياة، كلّ ذلك أدّى الى انفلات اخلاقي!
فالحل بنظري لهذه الافة المجتمعية، هو ليس عند الشرطة مع أنّها مذنبة، لكن الجزء الأكبر من الحلّ عندنا نحن، بإمكاننا إقامة حملات توعوية، إقامة هيئات تمثيلية لمحاربة العنف ومكافحته.
الفرد لا يمكنه تغيير مجتمع باكمله، لكن اذا قام كل مرء من تغيير نفسه وما بداخله فعندها سينشأ مجتمع حضاري.
وفي النهاية اعتقد، ان مفهوم العنف والتخلُّف سيذهب من مجتمعنا عند وفاة الأجيال السابقة ووفاة جيلنا نحن، فالأجيال القادمة في حال عوّدناها على المفاهيم التي تحارب وتدحر العنف، من الممكن ان يختفي الاخير ولو بنسبة قليلة.
[email protected]
أضف تعليق