بينما كانت حملة الانتخابات للرئاسة الأميركية في بداياتها، وقدم الحزب الجمهوري أكثر من خمسة مرشحين، كان دونالد ترامب، وفقاً لتصريحات المسؤولين ووسائل الإعلام في إسرائيل، الخيار الأسوأ بالنسبة للدولة العبرية، فهو ليس بحاجة إلى الدعم المالي من اللوبي الصهيوني في أميركا، ما يمكنه من عدم التجاوب مع ضغوط هذا اللوبي كما هو الحال مع معظم المرشحين من الحزب الجمهوري، تصريحاته الأولى تشير إلى أنه يؤيد إسرائيل لكنه اعتبرها مسؤولة عن غياب السلام، ولم يلتزم بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني في حال فوزه كما فعل معظم المرشحين من الحزب الجمهوري، ومع أنه أكد أنه سينقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس إلاّ أنه لم يلتزم بـ "وحدة" المدينة كعاصمة للدولة العبرية، وحتى أن موقفه المعادي للإسلام، اعتبر من قبل بعض الساسة في إسرائيل أمراً سلبياً، لأن ذلك سيؤثر على العلاقات الآخذة بالتطور بين الدولة العبرية وبعض كبريات الدول العربية، وسيجعل أمر التطبيع أمراً أكثر صعوبة. ترامب حساس ونزق، ولن يقبل الإهانة كما تلقاها اوباما من نتنياهو أكثر من مرة، وهناك تخوف من تقلبه، بحيث إذا ما قرر فرض السلام على إسرائيل، فإن أحداً لن يوقفه، فهو مندفع وعنيد، ومن الأرجح ألاّ يتخلص من هذه الصفات حتى وهو بين جدران البيت الأبيض!!
كان الأمر كذلك عندما كان هناك عدد من مرشحي الحزب الجمهوري في السباق الانتخابي، أما وإذ أصبح المرشح الوحيد، فإن هناك مراجعة لكل هذه "المناقب والصفات" ما يجعل ترامب أكثر اقتراباً من الدولة العبرية، مقارنة بمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.
إسرائيل تراقب بدقة، ردود الفعل المتفاوتة والمتناقضة في تفسير التصريحات المرتبطة التي يطلقها ترامب بين وقت وآخر، وكذلك مستويات التأييد وفقاً لاستطلاعات الرأي، وكذلك مواقف جهات مؤثرة على التصويت واتجاهاته في انتخابات الرئاسة، وكان من الواضح أن إعلان 88 من كبار الضباط الأميركيين المتقاعدين عن تأييدهم لترامب، أخذ حيزاً هاماً لدى المستوى الأمني والسياسي في الدولة العبرية، إلاّ أن الرد على هذا البيان جاء من 75 دبلوماسياً أميركياً متقاعداً، معلنين تأييدهم لهيلاري كلينتون، إلاّ أن الأمر الأكثر حساسية، أن هذا البيان قد وصم ترامب بالكثير من المخاطر في حال انتخابه، فهو "غير مؤهل كرئيس او قائد عام للقوات المسلحة الأميركية ـ كرد ضمني على بيان متقاعدي الجيش الأميركي ـ كما أنه ـ ترامب ومن خلال تصريحاته أكد على أنه أكثر جهلاً ونمطية في تعاطيه مع قضايا السياسة الخارجية الشائكة.
ترامب ليس بحاجة إلى أموال اللوبي الصهيوني، هذا صحيح، ولكن ما يجب إدراكه أنه بحاجة إلى هذا اللوبي ليتجنب الخلافات مع الكونغرس في حال فوزه، إذ إن معظم النواب والشيوخ، من مؤيدي إسرائيل وأكثر ولاءً للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ولعل ترامب أدرك ذلك تماماً بعدما أصبح المرشح الوحيد من قبل الحزب الجمهوري للرئاسة، ففي سابقة غير مسبوقة، أطلق ترامب حملة انتخابية من إسرائيل ذاتها، مدير هذه الحملة تسفيكا بروت يؤكد أن 70 بالمئة من اليهود الأميركيين الذين انضموا إلى الحزب الجمهوري هم من نشطاء اليمين الإسرائيلي، وتحديداً هم أعضاء في حزبي الليكود والبيت اليهودي، وان الحملة ـ يضيف بروت تستهدف استيعاب عشرات الآلاف من المتطوعين بصفوفه لصالح الحملة، في ظل وجود قرابة 200 الف إسرائيلي مزدوجي الجنسية الذين يحق لهم الاقتراع في تشرين الثاني المقبل... ورغم أن العدد محدود في ظل ملايين أصوات المقترعين، إلاّ أن حملة ترامب في إسرائيل تشير مع التذكير، بأن الرئيس بوش فاز في انتخابات العام 2000 بفارق 537 صوتاً مقارنة مع نظيره الخاسر!!
يريد ترامب أن تصبح أميركا قوية وعظيمة، لذلك، فإنه يعتبر إسرائيل نموذجاً يجب الاحتذاء به للوصول إلى هذا الهدف، ففي مقابلة له مع برنامج "فوكس اند فريندز" عبر الهاتف، سخر ترامب من الشرطة الأميركية التي لا تواجه الارهاب الداخلي، وتتردد في ملاحقة الارهابيين وفقاً لقيم سلوكية لم تعد صالحة، وعلى أميركا لكي تصبح قوية وعظيمة أن تجعل من إسرائيل مثالاً يحتذى، مشيراً ضمناً إلى أن الجيش الإسرائيلي، وقوات الأمن الإسرائيلية تواجه بكل قسوة، وتقوم بعمليات الإعدام الميداني، لمجرد الشبهة، أو لأقل من ذلك، وهي تلاحق الوطنيين الفلسطينيين، داعياً قوات الأمن الأميركية الى أن تعمل بنفس الأسلوب ودون معيقات تتعلق "باللياقة" أكثر من ارتباطها بالأمن وبمواجهة الارهاب.
وقياساً على هذا النموذج الذي يجب الاقتداء به، ترى إسرائيل أن ترامب أكثر قرباً منها، وأن نظامها البوليسي والأمني الذي يعتبر نموذجاً له، سيحدد مواقف ترامب من كافة الملفات الأخرى، السياسية والمالية تجاه إسرائيل النموذج، وبالتالي ليس عليها أن تخشى من كل ما قيل عن مناقبه وسطحيته وارتباك مواقفه، إذ أن "العامل المشترك" المشار إليه، كفيل بأن يصبح العمود الفقري لسياسة ترامب بعد دخوله البيت الأبيض.
وفي كل الأحوال، إسرائيل ليست قلقة، حتى لو أن ترامب ظل بعيداً عن البيت الأبيض، فرؤساء أميركا مهما اختلفت توجهاتهم ومواقفهم، ما هم إلاّ رعايا لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، والأمر لا يتعلق بالأحزاب ومواقفها، بل بالمصالح وإفرازاتها، وإسرائيل ستظل تحتل البيت الأبيض، والباقي تفاصيل!!
[email protected]
أضف تعليق