في شهور أو سنوات بداية انطلاقة «الأيام» استقطبت أقلاماً عركها العمر المهني والتجربة. أذكر أن أحدهم احتل «قرنة» ورفع علمه عليها، ونقش على العلم عبارة «من شوارع العالم».
كيف تبدو شوارع مدينة رام الله بعيون الأقمار الصناعية؟ هذا سؤال يتفرّع إلى سؤالٍ آخر: شوارع قلب المدينة، وبقية شوارع أطرافها. لعلّ أهمّ شوارع المدينة هو، على لسان عامة الناس «شارع ركب» وعلى يافطات الطرق «الشارع الرئيسي».
كيف كان هذا الشارع قبل أن يعطيه اسمه مقهى وبوظة «ركب» الذي تأسّس العام 1941، لأنك ترى في الصور القديمة كيف كان دوار المنارة، أو ساحة الساعة المجاورة لها، كما يتجاور في القلب الأذين والبطين؟
لا يموت قلب الساحتين من الاحتشاء القلبي، أو من تكلُّس شرايين الشوارع التي تصبُُّ فيه، خاصة بعض أيام في الأسبوع، كالخميس والسبت، وأمّا في الأعياد، حيث الناس كأنها تصير نحلاً على قرص عسل؟
لا يغدو الشارع شارعاً في المدينة، وخاصة شوارع وشرايين قلبها دون رصيف تتسكّع عليه السابلة، أو تطرقه بأقدامها جيئةً وذهاباً للتريُّض، لأنه يخلو من الطلعات والنزلات في مدينة التلال هذه.
لا يغدو رصيف الشارع رصيفاً، دون أن تصطفّ على حفافيه أشجار كأنها حرس شرف أو كحل أخضر على وجه أبيض لبنايات المدينة الحجرية.
تحديث شوارع قلب مدينة، هي عملياً عاصمة الشعب، قبل سنوات، جرّ معه إلى البنية التحتية المتهالكة، تحديث بنية فوقية، وخاصة إلباس رصيف شارع ركب بـ «يونيفورم» موحد من البلاط الصناعي، الذي يسهُل فكّه وتركيبه، لأنه كان كثير العثرات بين انخفاض فجائي وارتفاع، أملسَ هنا وخشناً هناك.
لا يغدو الرصيف رصيفاً دون أشجار، كان قبلها الشارع أقرعَ ـ أصلعَ خلاف تشجير شوارع بقية المدينة غير الرئيسية.
البلدية شكّت صفّ أشجار على جانبي الرصيف، وذهب بعضها ضحية الأيدي العابثة، وإعادة الغرس من ثم؛ ثم جاءت «قرصة» شتاء بارد قبل ثلاثة أعوام، فأهلكت نصف الأشجار، إلى أن استبدلتها البلدية بأشجار تتحمّل قرصة البرد.
كثافة حركة السيارات، في شارع ضيق ذي اتجاهين، وأرصفة تئنّ من دبيب كثافة حركة أقدام الناس، فرضت وضع سناسل ليعبر المشاة من أماكن عبور، أو ينطّ الشباب الرشيقون بحركة أكروباتية من فوقها.
عملياً، صار الشارع بوتيكات للملابس والأحذية غالباً، وكثير من المقاهي، ومعظمها لم تعد مقهى ـ رصيف، بل في الطبقات العليا من البنايات.
بعد سنوات قليلة جاء دور شارع رئيسي آخر، هو شارع «السهل» في رام الله القديمة ـ التحتا، حيث وحّدت البلدية «يونيفورم» الرصيف، ابتداءً من محطة محروقات جابر حتى التقاء الشارع بشارع يافا، ولكن دون سلاسل معدنية، ومع هندسة رصيف يفتقر إليها شارع ركب بوجود حيّز خاص لوقوف السيارات.
ما الذي يمتاز به شارع السهل (أو السهلة) عن شارع ركب؟ حركة سير السيارات كثيفة في الشارعين، لكن انطلاقاً من مقهى قديم، هو مقهى الانشراح، ومحلات الشواء، ومطاعم الحُمُّص والفول، صارت هناك مطاعم غربية (سناك) للساندويشات.
أهمّ ما يميّز شارع السهل هو أنه للسهر والسمر أيام شهور الصيف والربيع والتشارين، وطاولات وكراسي الرصيف، حيث هو شارع «القعود» لا شارع حركة السابلة، وخاصة مع رصيف واسع نسبياً أمام مقهى الانشراح الذي يدلل على عراقته بكتابة تاريخه الذي يبدأ من العام 1945، أي أصغر بأربع سنوات من مقهى وبوظة ركب.
لا مكان للطاولات والكراسي على رصيف شارع ركب، باستثناء يوم الجمعة، أو من صباح ذلك اليوم حتى الظهيرة.
ثمة شيء جمالي لصالح شارع السهل، وهو أن أشجار الشارع، المقاومة لـ «قرصة» البرد، لا تتعرض لأذى التخريب، وكذا فإن أحواض الشجر مزروعة بالزنابق غالباً، وأما بين الأشجار، فهناك قوارات وأحواض حجرية ملأى بنباتات الزينة الملونة.
في هزيع الليل الأخير، يكاد شارع ركب يخلو من حركة المارة، لا من حركة سير السيارات، لكن حتى ساعات الصباح الأولى تبقى أرصفة شارع السهل مرصوفة بالكراسي والمقاعد.
تتجه البوصلة في شارع ركب شرق ـ غرب، لكن بوصلة شارع السهل تتجه شمال ـ جنوب، فيتوفر الفيء صباحاً على رصيف، وبعد ساعات العصر على رصيف مقابل. في الأماسي يهبّ نسيم رام الله العليل على السامرين والساهرين، في شارع كأنه شارع باريسي هادئ، وبخاصة مبنى قديم لمطعم «سناك» شيلي ـ شيلي حيث النباتات والمُعَرَّشات، وأضواء حمراء خاصة.. كأنه مبنى أندلسي الجمال.
تعقيب
من حمادة جابر على مقالة يوم 11 أيلول:
لجنة الانتخابات هي التي قبلت طعون «حماس» في قوائم «فتح» حسب قانون الانتخابات، وقرار المحكمة غالباً ما يؤكد على قرارات لجنة الانتخابات النزيهة. الذي يصعب تفسيره هو كيف ولماذا قدمت «فتح» خمس قوائم غير قانونية في غزة؟ هل كانت تعرف أنها غير قانونية؟ إن كانت. أما بخصوص القدس فلم أسمع أبداً أنه جرت انتخابات بلدية فلسطينية في القدس. أخيراً: عن مؤتمر «فتح وفصل رئيسها عن رئيس السلطة، أقول لك أن عباس آخر رئيس لكليهما، أو على الأقل آخر رئيس لهما بشكلهما الحالي.
المحرر: أما كان يمكن شطب اسم وليس إسقاط القائمة.
حسن البطل
[email protected]
أضف تعليق