لا شكّ في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو العدوّ الأوّل للسلام، ولا يرغب به، ولن يتحقق في ظلّ قيادته لدولة الاحتلال. نتنياهو تشرّب التطرُّف وكُره الفلسطينيين والعرب من والده الذي كان أستاذاً جامعياً للتاريخ، وأحد المقرّبين من المنظِّر الصهيوني الراحل زئيف جابوتنسكي. تشرّب نتنياهو منذ طفولته أفكار أبيه "بن صهيون" الذي كان يرى أن الصهيونية الحقيقية لا تقبل الحلول الوسط.
والد نتنياهو لم يكن يؤمن بالسلام، وكان يعتبر أن العرب عبارة عن مجموعة تنتظر تدمير إسرائيل، ولا يمكن التعامل معها. وعلى الرغم من تطرف والده المتوفى وعنصريته، فإنه كان أصدق منه في التعبير عن مواقفه، ففي مقابلة مع صحيفة "معاريف" قبل وفاته، قال والد نتنياهو: إن التسوية مع الفلسطينيين وفق حلّ الدولتين مجرّد أوهام، وإن الحل الوحيد للصراع هو أن تفرض إسرائيل سيادتها بالقوة على الأرض الفلسطينية، معتبراً أن لا وجود للشعب الفلسطيني. وقال: يجب على إسرائيل أن تردّ بقوة على أي حادث يمسّ اليهود. ويؤكد والد نتنياهو أن ابنه متأثّر بأفكاره ومؤمن بها، ولكنه لا يرغب بالإفصاح عنها علناً حتى لا يتسبّب بضررٍ للمصالح الإسرائيلية في الخارج. ولكن سياسة نتنياهو في النهاية تصبُّ في مجرى مشترك مع والده.
الكاتب الإسرائيلي "رفيت هخت" يؤكد ما جاء سابقاً في مقالة نشرت في صحيفة "هآرتس"، أمس، وصف نتنياهو فيها بأنه رجل يميني ـ يميني عنيد، لن يسلّم شبراً للفلسطينيين، ولن يصنع سلاماً أبداً لأنه لا يثق بالعرب، حكمه ليس في خطر، وكثير من الإسرائيليين يرغبون ببضاعته. ولعلّ تصريح نتنياهو، أوّل من أمس، الذي يقول فيه إن المطلب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية دون مستوطنين "تطهير عرقي" خير دليل على تطرفه وعنصريته. إذن هذا هو نتنياهو، ابن أبيه، الذي يفتخر بأنّ إنجازه الحقيقي هو قتل عملية السلام، وإغراق المنطقة في دوامة العنف والدَّم. وعندما تضغط دول العالم من أجل إعادة دوران العملية السياسية، يتدخل نتنياهو بقوة من أجل وقفها رافضاً الشروط المسبقة، وفي مقدّمتها وقف الاستيطان.
فهو لا يرى أن الاستيطان عقبة، بل يرى أن من يرغب في وقف الاستيطان هو العقبة. ولذلك شن الهجوم الواسع على الرئيس محمود عباس في محاولة للتأثير من أجل تغيير مواقفه السياسية. نتنياهو الذي يتحدّث عن التطهير العرقي، هو الذي يمارس هذا التطهير بشكلٍ واقعيٍّ على الأرض، وبشكل خاص في مناطق الأغوار، ومنطقة "القدس الكبرى"، ومضارب البدو الفلسطينيين. عمليات التهجير على أشُدّها، وخاصة لآلاف البدو خاصة في منطقة "E1"، والتي هي امتداد طبيعي للقدس حتى الأغوار، علاوة على التهجير الممنهج للمقدسيين، حتى وصل الأمر في أبشع صوره إلى أن يجبر الفلسطيني على هدم منزله بيده... وهي سياسة غير موجودة حتى في أكثر الدول ديكتاتورية في العالم، ولم توجد هذه السياسة في جنوب أفريقيا العنصرية في حينه. إن كل ما يؤمن به نتنياهو هو تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي مع بعض الامتيازات الخدمية، دون التطرُّق بالمطلق إلى الجانب السياسي. نتنياهو امتداد لسياسة شامير الذي كان يرغب بعد الضغوط الهائلة - التي تعرّض لها للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام - في أن تستمر عملية المفاوضات مائة سنة قادمة.
أكثر من عقدين مرّا على اتفاق أوسلو ولم يثمر التفاوض خلالهما عن شيء... وربما يحتاج نتنياهو إلى عشرين سنة أخرى ليبدأ الخطوة الأولى، وعشرين ثالثة حتى نصل إلى إطار تفاهمات... إن نتنياهو سِرُّ أبيه "بن صهيون".!!
[email protected]
أضف تعليق