لعل نظرة شاملة الى الهوة التي صنعتها قضية اليؤور ازاريا (الجندي الذي اطلق الرصاص على الفلسطيني الجريح في الخليل وارداه قتيلا – المترجم) إلى جانب استقرارنا كمجتمع متماسك- تتطلب فهماً وعملاً فعليا لمنع استمرار التدهور والانهيار .
ان الاستقطاب المتعدد المستويات والابعاد ، الذي نشا في المجتمع، يُستخدم كأداة سياسية لتحقيق الربح الانتخابي ويهدد بتمزيقنا وتقطيع اوصالنا. ان حكومة تستخدم هذا الواقع لمثل هذه الاغراض ، انما هي لا تخدم الشعب ،ولا تخدم معارضيها ولا مؤيديها. ولقد اخذ عليها وزير الأمن المقال ،موشيه يعلون ، كونها منشغلة "بزرع بذور الشقاق والخلاف،وبممارسة السياسة الوضيعة والتفرقة، بدلا من توحيد الصفوف :فهي تارة ضد العرب ،وتارة ضد المستوطنين ،وحيناً ضد اليساريين ،واحياناً ضد الحريديم ، ومرة ضد المثليين – وألان ضد الاشكناز والشرقيين" .
ان تطرف النائبة حنين زعبي ، التي تسعى لتقويض أي احتمال للعيش المشترك – أنما هو امر مضر، وكذلك الأمر بالنسبة لتطرف الوزير ليبرمان ، الذي شبّه الشاعر الفلسطيني محمود درويش بهتلر . ان استفزازات حنين زعبي التي استقطبت ردود ليبرمان العنصرية لا تخدم المواطن العربي في إسرائيل ، بل تضطر قادته المعتدلين ، من شاكلة أيمن عودة ،الى الدفاع عنها والمغالاة في التطرف ، إلى ما هو ابعد مما يريدون.
وبالإضافة إلى ذلك ، فان تطرف لبيرمان وأمثاله لا تخدم الجمهور اليهودي ،بل تفرقه وتوقع الخلاف في اوساطه .
علينا ان نضع بمواجهة هذا التطرف المتبادل – الغالبية المعتدلة من مختلف الاطياف، لكن الاعتدال لا يجوز ان يتجلى بالصراخ والقبضات المرفوعة، بل يجب البحث عنه والإصغاء لصوته . إصغوا واستمعوا مثلا إلى الإنشاد الرائع بصوت ميرا عوض لقصيدة محمود درويش "فكر بغيرك" اذ تقول :"وأنت تخوض حروبك،فكر بغيرك... لا تنس من يطلبون السلام" . ان صوت ميرا العذب انما يبحث عن القاسم المشترك بين الشعبين ،ولا يبحث عما يفرق بيننا .
بدلا من اظهار الجيش وكأنه جيش يساري وانهزامي من جهة طرف واحد، واظهار جميع المستوطنين كمحتلين عنصريين- من جهة الطرف الاخر، علينا ان نجد العامل الموحد لأمانينا الوادعة في كلا الطرفين، مهما كانت متواضعة – وان ننتخب حكومة تخدم هذه الاماني والتطلعات.
يفترض حتما، ان يكون الجندي اليؤور ازاريا، على سبيل المثال ، عاملا موحدا للمواطنين العقلانيين الذين يعتقدون بأنه لا يجوز اطلاق الرصاص على أي انسان ، حتى لو كان عدوا ، عندما لا يكون مصدرا لخطر (وحسم هذه القضية متروك للمحكمة). ان الجندي نفسه ،حتى لو اخطا ، ليس بمجرم قاتل بل هو ضحية للواقع الناشئ عن افعال الاحتلال التي لا سبيل دوما الى تنفيذها بشفقة وترو واتزان، خصوصا من قبل جنود شبان. ويتعين على الاوامر العسكرية في الجيش ان تمنع تكرار مثل هذه الحوادث طالما بقي هذه الوضع قائما ، ويتعين على سياسة الحكومة وسلوكها ان يؤديا الى تغير هذا الوضع .
ان وضعا يجد فيه رئيس اركان الجيش نفسه مضطرا لتبرير موقفه امام اليمين المتطرف الذي يلومه وينتقده بحجة تراخيه وضعفه، فيقول: "قتلنا (166) ارهابيا في الضفة الغربية منذ اكتوبر تشرين الاول الاخير"- هذا الوضع يجب ان يتغير ، من اجل تخفيف حدة العنف لدى طرفي النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ومن اجل اتاحة الحوار البنّاء عن طريق فض الاحتكاك بين السكان الرازحين تحت الاحتلال ،وبين الجيش ، وبذلك تتراجع النزعة الى ممارسة الارهاب، وتزول الحاجة الى قمعه بالعنف. ويتوجب على الجيش ان يتحقق من ان جنوده لا يطلقون النار على العدو عندما لا يشكل مصدر تهديد، مع التشديد والمواظبة على تعليمات اطلاق النار.
ويتعين على المحكمة ان تتحقق مما اذا كان "ازاريا" في هذه الحالة العينية معرضا لتهديد، شخصيا او موضوعياً، لكي تحدد عقوبته تبعا لذلك . ويتعين على أية حكومة تتحلى بالمسؤولية ان تغير هذا الوضع وان تجنّب الجندي الاتي معضلة مشابهة ، كيلا يتعثر ويتورط هو ايضا . لا يعقل ان يتلخص الحل البعيد المدى بموت عشرات الاسرائيليين ، وبمقتل مئات الفلسطينيين كل سنة .
• يعقوف(كوبي) ريختر هو ضابط سابق (متقاعد) في سلاح الجو الاسرائيلي، برتبة عقيد، وهو حاليا رجل اعمال كبير في مجال الهايتك، وخاصة ما يتعلق بالاجهزة والتقنيات الطبية الحديثة).
(ترجمة:غسان بصول)
[email protected]
أضف تعليق