"اِسألوا التّاريخ عن جرائم الإسلام"؛ "الإسلام أصبح عبئًا على العالم"؛ "السّعوديّة تكرّر تحذيرها للوافدين إليها: الإعدام لمن يَحمل معه مخدّرات أو إنجيلًا"؛ "يجوز للابن ممارسة الجنس مع أمّه، شريطة أن..!"؛ "القبض على مصريّين مسيحيّين بتهمة التّبشير"؛ "شيخ مسلم يعتنق المسيحيّة لسبب القرآن"؛ "ارتداء الحجاب - أو ما يسمّى بالتخّلف - جاء لهدف اقتصاديّ توفيريّ، لا دينيّ"؛ "المسلمون إرهابيّون"(!).. هذه، أيّها القرّاء الأعزّة، بعض من أنموذجات كثيرة نُشرت على عدد من صفحات التّواصل الاجتماعيّ ("فيسبوك")، التّابعة لأشخاص "مسيحيّين" اعتباريّين – للأسف الشّديد – بصورة استفزازيّة، تحقيريّة، حاقدة وتعصبيّة، دفعتني أنا الحيفاويّ الإنسانيّ، أوّلًا وأخيرًا، إلى القرقفة والانتفاض، خوفًا واضطّرابًا على مستقبل التّعايش الحيفاويّ، العربيّ – العربيّ الأخويّ الوحدويّ في هذه المدينة، الّتي بدأت تشتعل فيها نيران التّطرّف والطّائفيّة، نيران، قد تؤدّي على المدى القريب إلى حريق كبير يَصعُب إخماده!
تخلّف.. تطرّف.. تعصّب.. حقد.. غباء وضرّاء؛ هذا هو غيض من فيض الصّفات الّتي يمكنني أن أكيلها لكلّ مَن سوّلت وتُسوّل له نفسه قذع وتذليل وتحقير وإدانة دَيانة الآخر.
كعادتي، ولأنّني إنسان أمميّ حرّ، لا طائفيّ، يستفزّني جدًّا هذا "التّحريض" - نعم التّحريض الأرعن – وتثيرني كتابات بعض المهوَّسين المتطرّفين الحقودين، وخصوصًا "المثقّفين" منهم، من مربّي ومربّيات أجيال، وشخصيّات اجتماعيّة مرموقة، الّذين يُقحمون الدّين في كلّ صغيرة وكبيرة، لهدف المجاهرة بدينهم المتسامح والتّقليل من دين الآخر، بدل التّسامح الدّينيّ، واحترام عقائد الآخرين.
من حقّ كلّ واحد منكم أن يحوّل صفحته الخاصّة عبر موقع التّواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى ما شاء: فنيّة، سياسيّة، عقائديّة، حزبيّة، زنديقيّة، أو حتّى دينيّة.. ولكن ليس من حقّه أن يستخدمها سلاحًا للتّحريض على دَيانة الآخر وتكفيره. فما فائدة صلاتك أو المفاخرة بديانتك، الّتي تعلّم على المحبّة، التّصالح، التّسامح، العطاء، المساعدة، الأخوّة، والصّدق، وغيرها من تعاليم الدين؛ طالما تعمل أنت بخلاف ذلك.. إذ تحقّر، تهين، تستفزّ، تحقد، تقاضي، تكره وتَدين الآخر. فلا تَدين كَيْلا تُدان!
اُتركوا الآخرين وشؤونهم، اُتركوا إيمانهم وعقائدهم وتفكيرهم، فلا يحقّ لأيٍّ منكم التّدخّل في ذلك، طالما أنتم لا ترضون أن يتدخّل أحد في شؤونكم.. تخيّلوا تأثير وَقع هذه الكتابات والعبارات المُهينة والمُستفزّة من على صفحات التّواصل الاجتماعيّ.. "ما أكبر صليبها"؛ "المسيحيّون قوم مناتِين يأكلون لحم الخَنزير الفَطِس"؛ "تدخل النّساء الكنائس بلباس غير محتشم"؛ "المسيحيّون كفّار"؛ و.. و..! فقبل أن تُلصقوا التّعابير لغيركم أو تكتبوا ضد وتشاركوا رابطًا مُهينًا للدّيانة الأخرى، فكرّوا مرّتين وعُدّوا مليونَ مرّة.
وُلدنا مُسيّرين دينيّـًا لا مُخيّرين، ومع ذلك من حقّ كلّ واحدٍ منّا أن يكون كافرًا أو مؤمنًا، فما عليكم سوى احترام آراء وعقائد الغير وتقبّلها، ولا تفرضوا آراءَكم أو تفكيركم العقائديّ وتكيلوا لعناتكم على الآخرين!
دعونا نتكلّم في ما بيننا بالإنسانيّة، لا بالطّائفيّة العمياء، المبنيّة على حبّ وتفضيل نبيّ على نبيّ، أو إعلاء دين على حساب دين آخر، ما قد يؤدّي إلى زيادة الاستقطاب الآخذ في الاتّساع، أصلًا. فالتّطرّف الدّينيّ المَقيت – وللأسف الشّديد – في ازدياد مُقلق، وبشكل مقزّز ومُعيب، وبدأ يضرب الجميع وينتشر في كلّ مكان؛ حيث يتفشّى كالسّرطان الخبيث القاتل بيننا.. بات التّطرّف ملموسًا، على أرض الواقع، رغم محاولات تجميل الصّورة هنا أو تحسينها هناك.
فما الهدف من وراء التّأكيد على أنّ الدّيانة المسيحيّة أفضل من الدّيانة الإسلاميّة، أو أنّ النّبيّ أفضل من المسيح.. إلامَ سنصل؟! فهل ينقصنا اقتتال طائفيّ وتطرّف دينيّ واستقطاب اجتماعيّ؟!
يكفيكم كراهيَة وبُغضٌ؛ عيب عليكم أيّها الحقودون المُفتِنون! لن ندع أمثالكم تحوّل تعايشنا الأخويّ الحقيقيّ في مدينة حيفا إلى فوّهة بركانيّة قد يؤدّي ثورانها إلى انفجار كارثيّ لا تُحمد عُقباه.
(*) الكاتب صِحافيّ حيفاويّ، مدير تحرير صحيفة "حيفا"
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
مطانس خيا, انا مسلم سني وانا بحب أقولك انو السعودية دولة وهابية سلفية قذرة وارهابية ولا تمثل الاسلام لا من قريب ولا من بعيد وهي سبب نشر الافكار الارهابية بالعالم , وما حدا راح يزعل من هذا الحكي الا اذا كان داعشي , فأنا بحب اقولك انو كل الحكي اللي بقولوا اخوانا المسيحيين, احنا نفسنا المسلمين بنقول نفس هذا الحكي وأكثر عن السعودية , فعشان هيك تحملش الاشي أكثر من حملو لانو اصلا فش خلاف بيناتنا بهاي النقطة .