من الصعب جداً قراءة سياق تطور الأحداث في المنطقة العربية وعلى ساحة الشرق الأوسط، اعتماداً على الوقائع الميدانية أو عما يصدر عن النظام العربي ومؤسسات البحث العلمي التي تعاني هي الأخرى من الارتباك ومن التبعية فضلاً عن طبيعتها التبريرية. في غياب الاستراتيجيات العربية المدروسة وضعف التخطيط، وفي ظل آليات الفصل بين ما تنتجه دوائر البحث العلمي وبين أدوات الفعل، ومستويات القرار، في غياب كل ذلك وفوق ذلك ضيق مساحة الحرية، فإن مثل هذا التخبُّط يعطي لدولة مثل إسرائيل الأحقية في المبادرة، سواء من خلال التنبؤ المستقبلي أو تلازم الاستنتاجات النظرية مع الجانب العملي. واقعياً فإن إسرائيل تخصص للبحث العلمي من الموازنات ما تخصصه أغلبية الدول العربية. نعود هنا ونذكر بالتقرير الاستراتيجي الذي صدر عن معهد «جافي» في عام 1989 أي في عزّ الغليان الشعبي والانتفاضة الشعبية الكبرى، وما صدر في ذلك العام، قد وجد طريقه للتحقق فيما مضى من القرن الحالي.
بمقارنة ما ورد في التقرير من سيناريوهات تتعلق بالأراضي المحتلة عام 1967، بما شهدته هذه الأراضي من تطورات يتأكد المرء من حقيقة ما يجري.
قبل ثلاث سنوات كان «مؤتمر هرتسليا» قد أوصى الحكومة بأن تسعى لإقامة حلف سنّي في المنطقة تكون جزءاً منه. هذه التوصية مبنية على رؤيا لتطورات الصراع في الإقليم، وتبلور الأولويات وهي مبنية، أيضاً، على قراءات دقيقة لموازين القوى ولاستعدادات الدول العربية السنية التي تبحث عن عوامل وتدخلات تساعدها على مواجهة المخاطر التي تساهم إسرائيل في صياغتها.
الحلف الإسلامي السنّي، أصبح واقعاً ملموساً، والطموح الإسرائيلي بأن تكون إسرائيل جزءاً منه، بات يتحقق شيئاً فشيئاً. إسرائيل تسعى الآن لأن يطغى الخطر الإيراني كأولوية على ما عداه من ملفات وأهمها ملف القضية الفلسطينية الذي تحاول إسرائيل تعطيل عملية تحريكه، فإن لم تنجح فإنها تطمع في أن تحصل من الدول العربية على أثمان باهظة.
التناقض على موضوع الأولوية، كان واحداً من المشكلات في العلاقة بين إسرائيل وإدارة الرئيس أوباما، التي حاولت الربط بين الملفين الإيراني والفلسطيني الإسرائيلي، في حين أصرّت إسرائيل وعملت على الفصل بين الملفين، ووضع الملف الإيراني في سلّم الأولويات.
بعد نحو ثماني سنوات تنجح إسرائيل، بينما تواصل الولايات المتحدة المحاولة، في غياب الثقة بإمكانية تحقيق النجاح عَبر الفرصة المتاحة التي توفرها المبادرة الفرنسية.
خلال الأيام الأخيرة نشرت الصحف العبرية دراسة صادرة عن معهد بيغن ـ السادات للسلام، تتحدث عن المخاطر المترتبة عليها وعلى الدول الغربية، في حال واصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها العمل من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. تنصح إسرائيل وتحث حلفاءها على اعتماد سياسة إضعاف التنظيم، وتسرد الدراسة الأسباب التي تقف وراء مثل هذه النصيحة. الحسابات الإسرائيلية إن كانت تشكل نصيحة لحلفائها، فإنها تشكل بالنسبة للحكومة الإسرائيلية سياسة معتمدة، الأمر الذي يعني أن إسرائيل تلعب دوراً حيوياً في الصراعات الجارية بغرض إبعاد وإنهاك إيران و»حزب الله»، وتحطيم سورية الدولة. وحتى تخفف الدراسة من خطر «داعش» ودورها في نشر الارهاب في الدول الغربية، تستنتج أن الخطر لا يكمن في تنظيم الدولة وإنما فيما يسمونها «الذئاب المنفردة». هذه سياسة لا يقرؤها العرب ولا يلتفتون إلى أبعادها ومخاطرها على استقرار أنظمتهم السياسية على الرغم من أنها تنطوي على تناقض مفضوح، فهي تدعم وتريد أن تكون جزءاً من التحالف الإسلامي، وفي الوقت ذاته تدعم أحد أبرز مصادر التهديد والخطر.
إذا كان السؤال مُوجّها للدول العربية التي تبحث عن العون الإسرائيلي لمواجهة «الخطر الإيراني»، فإن السؤال الآخر المباشر مُوجّه لتنظيم الدولة الإسلامية، التي تتجاهل إسرائيل في استراتيجياتها العملانية. تنظيم الدولة الإسلامية معني بالإجابة عن السؤال الذي طرحه المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية ترامب الذي اتهم علناً منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بأنها مؤسس داعش، منذ أن كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة قبل أكثر من أربع سنوات.
كثيرة الأسئلة التي طرحها مراقبون فلسطينيون وعرب وأجانب حول دور الولايات المتحدة في إقامة الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة من «القاعدة» إلى «بوكو حرام»، و»داعش» وأخواتهم، لكن أحداً لم يسمع جواباً عملياً وليس نظرياً على تلك الأسئلة حتى بعد الاعتراف الذي أدلى به ترامب، وبعد نشر تقرير مركز دراسات بيغن ـ السادات.
في الأغلب فإن النظام العربي الرسمي هو الآخر، يتجاهل مسؤوليته عن الإجابة على هذه الأسئلة، ما يفسح المجال لإسرائيل لأن تكون أبرز اللاعبين والعابثين والأكثر تأثيراً في رسم مستقبل المنطقة.
[email protected]
أضف تعليق