هذه المرة، كان الأمر مختلفاً، منذ البداية كان توجه قوى اليسار الفلسطيني الى خوض الانتخابات المحلية بقائمة موحّدة، لكنني كنت أتوجّس من أن هذا التوجّه ليس هناك ما يسنده على الأرض، التجارب السابقة، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات على اختلاف أشكالها، كانت تبدأ مع هذا التوجه، لتأتي الأيام لكي توضع العديد من المبررات لنسف هذا التوجّه، هذه المرة كان الأمر مختلفاً، وآمل أن أكون على صواب، ان سبب ذلك يعود إلى توفر إرادة حقيقية، هذه المرة، لم تتوفر عند التجارب السابقة المؤسفة حقا.
كافة أشكال الانتخابات في فلسطين، هي انتخابات سياسية، بالنظر إلى الوضع الفلسطيني المعروف، لذلك كان على التيار الديمقراطي، أن يخوض كل أشكال هذه الانتخابات على هذه القاعدة، إلاّ أن ذلك لم يحدث، وحالت التكتيكات الفاشلة والنظرة الانتهازية لبعض الفصائل دون تحقق هذا الأمر، وأعتقد، أن مثل هذا التحالف، في اطار التجارب السابقة الفاشلة، حتى لو كانت الانتخابات في اطار وحدة التيار الديمقراطي أدت إلى الفشل في الحصول على مقعد هنا وآخر هناك، فإن مجرد التعبير الواضح والمحدّد عن وحدة هذا التيار، هو بحق انتصار من الممكن بل من الضروري البناء عليه، إلاّ أن النظرة القاصرة والرؤية الحمقاء، دفعت إلى مزيد من التفكك من دون أن تؤدي تحالفات بعض قوى اليسار، غير المفهومة وغير المبررة إلى نجاحات لهذا الفصيل أو ذاك، من الممكن أن تسوغ له إدارة الظهر لوحدة التيار الديمقراطي الفلسطيني.
سرعة اتخاذ القرار هذه المرة، له دلالات ومؤشرات تفيد بأن فشل التجارب السابقة، أدى إلى استيعاب دروسه، لذلك لم يكن هناك أي تسويف أو تبرير، وترجمة الفكرة مع التوجه، بسرعة قياسية لعبور الانتخابات المحلية وفق قائمة موحّدة، الفصائل تقود، ورغم كل احباطاتنا وملاحظاتنا عليها، فإن اليسار الفلسطيني، خارج اطار هذه الفصائل مدعو لاتخاذ الموقف الصحيح الداعم لهذا التوجه، ومن دون حسابات الربح والخسارة في هذه الانتخابات، رغم أهمية هذه الحسابات، ذلك أن العبور موحّدين، هو بحدّ ذاته ربح أكيد، إضافة إلى أن هذا الدعم، سيؤدي إلى تجاوز نسبة الحسم الكبيرة، ليصبح الربح الأكيد، ربحاً صافياً. في إحدى دراساته، عالج تيسير عاروري، أسباب فشل وحدة اليسار الفلسطيني بكل العمق المعروف عن هذا القائد الشهيد، إلاّ أنني أتذكّر قوله عن أحد الاجتماعات بين أقطاب اليسار بهدف توحيده، كانت تبرز بين وقت وآخر، العديد من العقد والمشكلات، حينها ـ يقول عاروري ـ
كان الرفيق أبو علي مصطفى ينتفض مشيراً "أن علينا تجاوز كل الإشكاليات.. لا يجب أن نخرج من هنا إلاّ متّحدين وهو خيارنا الوحيد" ـ بتصرف مني في الصياغة، ويبدو أننا في مثل هذا الوضع الآن بعد خيبات التكتيكات الضارة والقاصرة حسب التجارب السابقة. على التيار الديمقراطي أن لا يخشى من النتائج، وعليه كسر موجة الاحباط بالتطلع إلى الأمام موحّداً وقوياً وقادراً، وهنا لا بد من الإشارة إلى مقولة اعتبرها خاطئة تماماً، والتي تشير إلى دور التيار الديمقراطي، كبيضة قبّان، أو مؤشر للتوازن بين قوتين كبيرتين، أي انه مجال للاحتياط لدى قوة من القوتين، او أنه يلعب دوراً توفيقياً في أفضل الحالات، هذا المفهوم خاطئ تماماً، إذ على هذا التيار أن يشكل قوة أساسية، لها القدرة على صناعة القرار، بالشراكة مع القوى الأخرى ليس بوصفه يؤكد قوة على أخرى، بل قوة منفصلة، تلعب دوراً أساسياً وليس مجرد أداة توازن وميزان بين القوى. كما أن هذا التيار يستخدم عبارات غير مفهومة، كالقول إن الانتخابات المحلية "تجدد" شرعية الشرعيات الحالية، فباعتقادي أنه ليس هناك شرعيات بالأصل، فكيف يتم التجديد لها، الأصح هو تشكيل شرعيات على أنقاض المؤسسات السياسية التي فرضت نفسها علينا بالقوة. ليس لديّ أي قلق من أن قائمة التيار الديمقراطي سيتم تشكيلها بذكاء ودقة وحسب ما ينبغي من داخل ومن خارج الفصائل، إلاّ أنني أرى أن الالتزام بالكوتا النسائية حسب قانون الانتخابات، أمر غير مرغوب فيه، إذ على التيار الديمقراطي تجاوز تلك الكوتا بما يحقق مشاركة حقيقية للمرأة الفلسطينية، ما يعني اختيارا للمرأة في موقع متقدم أكثر مما أقره قانون الانتخابات، إضافة إلى زيادة العدد تجاوزاً لهذا القانون. وسواء أجريت هذه الانتخابات أم لا..
فإن بروز ظاهرة التيار الديمقراطي الموحد، قد بات أحد أهم "إنجازات" هذه الدعوة للانتخابات بصرف النظر عن نتائجها، انها معركة يجب خوضها بعيداً عن الحسابات الضيقة والرؤية القاصرة عن محدّدات توحيد هذا التيار، الذي ظل مسؤولاً عن الخيبات والأزمات والانشقاقات في صفوفه!! -
[email protected]
أضف تعليق