اتصلت بي إمراة اعرفها نهاية الأسبوع الفائت تدعوني لحفل زفاف ابنتها الكبرى ، تبلغ من العمر 19 عاما فقط ، "مبروك " للعروس "الله يوفقها"، رددت بعض العبارات الباردة ممزوجة بخيبة أمل معينة في إذن الأم السعيدة.
أليست صغيرة ؟ اعرفها بنوته في المدرسة ،" كان ستنيتي شوي عليها "، قلت بفتور وحذر، راحت الأم تبرر لي: أنت تعلمين بنات اليوم ، هذا اختيارها ونحن ننفذ فقط ! .
حقا ننحن ننفذ مطالب أولادنا وبناتنا فقط؟
سالت نفسي دون ان تسمعني الأم . ثم استطردت هذه المرأة : في الحقيقة آنت تعلمين ان لها من الأخوات أربعه وأخوين اصغر منها، وأنا لوحدي في هذا العالم، اعمل ليل نهار لكي أطعم أطفالي وأوفر لهم عيشا كريما، أنظف البيوت واعمل في المصانع وأكافح لوحدي دون زوج او اب او اخ ، انا وسبع أولاد ،سوف يعتني زوجها بها الآن.
لمست في صوتها حزنا ممزوجا بالفقر والحاجة، ليست راغبة في هذا الزواج ولكنها رضخت للضغط المادي والاجتماعي . إنها تعرف تماما أني لم اقتنع بأي حجة من حجج تزويج تلك الشابة الغضة.
لقد قررت على غير عادتي ،ان أشارك في حفل حناء هذه العائلة المكافحة لكي أساند الأم معنويا على الأقل، والمس أجواء فرحة صغيرة في هذه الدنيا الكبيرة القاسية في حياة امرأة تواجه هذا العالم لوحدها.
كانت النسوة والفتيات الجميلات تملأ القاعة اللامعة المليئة بأضواء واللآلئ في كل مكان. كل هؤلاء الشابات ظهرن لي متشابهات ، وكلهن يتجولن فرحات في معرض العرائس الكبير، مع الكثير من مساحيق التجميل تغطي بشرتهن والرموش المستعارة ملتصقة بجفون ملونه وطويلة، أما الحواجب في السهمية السوداء تنطلق فوق أعين كحيلة وكبيرة ومعاصم الأيادي فتحمل الكثير من الحلي والخواتم والأظافر المزركشة الاصطناعية .
لم أشأ ان أخرب فرحة احد هنا، ولكني شاهدت الكثير من الأموال صرفت في سبيل إظهار جميع الفتيات بشكل موحد يعتبره البعض جميلا واعتبره أنا مصطنعا ومبتذلاً.
لقد بدت ام العروس حزينة مهمومة ، فسألت بعض النسوة في الاستراحة القصيرة من الأغاني التي لم افهم منها شيئا، وما فهمته من الكلمات أكد لي إني خرجت للتو من كهف الفن بعد ان لبثت فيه مئة عام او أكثر، لأسمع أغنية اسمها "انجنوا" ، تدعو الراقصين للقفز وأداء حركات عشوائية مضحكة.
سالت ام العروس وصديقاتها مالها لا تفرح مثلهن، فكان الجواب مع تنهيده تقطع القلوب اذ قالت انها لا تنام الليل من التفكير بتكاليف هذا الحفل، من ملابس وطعام وزينة وبالونات وأزهار وإيجار القاعة والموسيقى والمؤثرات الأخرى من الدخان والأوراق البراقة المتبعثرة في كل مكان فكل هذا يصل الى الآلاف من الشواكل التي لا تملك منها الا القليل. حزنت جداً لحال هذه الام المكافحة التي تضحي من اجل ساعات قليله من الفرح الاصطناعي لإبنتها لتدخل هي باكتئاب مع بعد الفرح، ستنتقل العروس لتحلم بحياة أفضل مع رجل غريب، وستترك أمها تغرق في ديون الحفل لأعوام طويلة، وجدت نفسي أواسي الام وامدح تضحيتها وشجعتها ولم ارغب في إعطاء النصح والموعظة حيث آن الاوان ولن ينفع نصحي أحدا .
لقد تحول هذا الفرح بالنسبة لي لشهادة فشل أمام الفقر، فشل أمام تزويج القاصرات، فشل أمام تحضير النساء للإدارة المالية المستقلة، فشل أمام الضغط الاجتماعي الذي يجعل الطقوس السخيفة مقدسة ! فلم انجح ان اقنع من حولي من النساء والفتيات ان في الحياة ما هو أجمل من فستان ثمن إيجاره سبعة الاف شاقل في اليله. وان السعادة لا تأتي مع دخان ابيض ينقشع لتظهر من خلاله العروس لجمهور الحاضرين . فيا شعبي يا أحبائي من نساء وعرائس هذا الوطن أفرحن ارقصن تجّملن ولكن لتكن الحكمة أجمل زينتكن.
[email protected]
أضف تعليق